عندما اشتد عود الاسلام في جغرافية حاضنته المُبكّرة بمكة والمدينة . وشرع بالانسياح والتمدد في محيطة الجغرافى القريب و البعيد . مُمتطى في ذلك رواحل وسروج اعّراب الجزيرة واكتاف راجليهم . لينتهوا به غرباعند التخوم الجنوبية لدولة الروم ببلاد الشام . وشرقا على ابواب بلاد فارس وسواد ما بين النهريين .
ومن تم طفق الاسلام يتفاعل ويتثاقف مع تلك الشعوب , بقبضة خشنة حينا وبلسان ناعم حين اخر . فجاءت ونتجت عن تلك المثاقفة والتفاعل , صيغ جديدة للاسلام . امتزجت بخشونة اعراب الجزيرة , وتمدّين حضر بلاد فارس وسواد ما بين النهرين . وانتهى كل هذا التلاقح مع الاسلام في وجهه المعاصر . الى صيغة شيعية اضافت ماضيا وحاضر , الى محجّات ومزارات الاسلام بمكة والمدينة . مَحجات ومزارات جديدة في عتبات النجف وبغداد بالعراق وفى حوزات مرجعيات قمْ بإيران . اغّنت واثرت هذه البيئة . رسالة الاسلام ماضيا وحاضرا , بما تمخض عنها من رموز في مجالات الفكر والعلم , اضافت خطوة هامة في مسيرة الحياة والحضارة . فصار الاسلام بهذه المراكمة المعّرفية , يزاحم رواد حضارة العصر الحديث , على بوابة النادي الذرى , الذى لا يحظى بالوصول اليه , الا من كان له كعب عالي في فضاءات الفكر والمعرفة , متوسلا الى ذلك استثارت واستفزاز قدّاحة عقّله وفكره .
في حين نجد الاسلام الذى انساح وتمدد غربا . على رواحل وسروج اعراب الجزيرة واكتاف راجليهم . لم يستطع هؤلاء تجاوز اعْرابيتهم , ولم يستطع التثاقف والتفاعل مع ارث تلك الشعوب , من ترويضها وتهذيبها واحتفظ ذلك الأعرابي بتِيمَته في وجهها القَبَلي . ذات الكيان الاجتماعي المُغلق . رغم عبوره فضاءات ثقافية متنوعة . اثناء مراحل تقدمه شرقا , والذى انتهى به عند ضفاف الاطلسى ببلاد المغرب وشبه الجزيرة الابيرية .
ثم ما لبت ان ارتد على عقبيه راجعا الى حيت كان . ليقبع متقوقع في صدفة اعْرابيّته , مستدرجا اياها ومُسّتلهمها في ادواتها ومفاهيمها ومفرداتها . والتى منها وُقوفه على الاطلال , مسّتذكرا ماضيه مع سلمى وليلى وعزة . بصيغْ تَمَكّن من تطّويعها بما يتوافق مع ما يلهج به لسانه من عديد العاميات واللهجات المحلّية . فنجد ذلك الاعرابى ومن فوق الرقعة الجغرافية لليبيا . وعند مروره بأطلال مرابع وسكن حبيبته ينشد ويقول :- (خلا وتْقجّول فيه إرياح قعدْ مطراح +++ اُوهام أم أعيون اسماح*) . مما يجعل قوله هذا . يسّتحث ذاكرة المُستمع والمتلقي . ويدّفعها نحو اسّتدعاء من سالف الازمان البعيدة . قول ذلك الشاعر العباسى . وهو يسّخر مسّتهزئا من ذلك الاعرابى في قوله (قل لمن يبكى على رسّم درس +++واقفا ما ضر لو كان جلس)(ترك الربع وسلمى جانبا+++واصطبح كرخية مثل القبس).
كنت احاول الوصل بالقول . دعونا نبْتعد عن كل ما يُشجع ويستحث انبعاث الاعرابى الكامن فينا . الى حاضرنا البائس . فالتغنّي بالناقة والقراد والبوْ والرَبعْ والضّب . وكل ما يدعم ويسند هذه المفردات . التى تجعل ثقافة ذاك الاعرابى ماثلة وبقوة في اليومي من حياتنا البائسة . تجعل منه وبدون شك , مزاحما لنا وبقوة في كل وجوه حيواتنا .
فدعوه في سُباته , لا تحاول ايقظه فقد تخطاه الزمن . وان سعيّتم الى عكس ذلك . فسيأتي من يروّضه ويعتّليه . كما حدث معه في زمن ما بين الحربيين . فقد تمكّن حينها عرّاب (سايس- بيكو)من ترّويضه واعتلاء ظهر بعيره . ووظّفه في انفاذ مشروعه اللعين . الذى استنزف به موارد جغرافية سايس- بيكو الطبيعية والبشرية وما في حكمها . بل لم يقف هذا العرّاب في تفاعله مع الاعرابى , حتى جعل منه تابع له , ومن تم وَظّفه حارس امين لمشروعه الممتد على اتساع جغرافية سايس – بيكو , مما جعل ذاك الاعرابى . مكان تنذّر وسخْرية في ما بين الاخرين من اقرانه .
دعوه غارق في سباته . وراهنوا على بديله الكامن فينا ايضا . بالتوجه نحو استثارة واستفزاز قداحة العقل البديل , الذى لا تخيب المراهنة عليه . فهو لا غيره من يستطيع انتشال الراغبين المجدّين في مغادرة قيعان ومهاوى التخلف , الى معترك الحياة الفاعلة , وهو لا غيره من يستطيع لمن استطاع ترّويضه . ان ينقله بسلطانه من على هامش الحياة واطرافه , الى داخل الحياة بأبجدياتها الفاعلة .
*تُقرأ بعامية اهل الجنوب ووسط ليبيا .
الآراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة