غياب آليات التطور التي تتمثل في التعامل الانساني والحضاري، والنمو الثقافي والعلمي، والتنمية البشرية، والرفع من المستوي الفرد المادي والمعنوي، والتعليم الجيد المتكامل، والصحة بمستشفياتها الكاملة و بكادرها الطبي الكبير والتمريض الجيد،والاقتصاد النامي والاستثمار، والعمل والتدريب لنشر حركة التنوير لتشمل العلاقات والمعاملات العملية والعامة، والحياة الاجتماعية الصالحة لنمو الشخصية السليمة،والمعيشة والعيشة الرغيدة لافراد البلد الواحد،لا زالت قصة حرمان ومآساة حياة التي تعاني منها اغلب الشعوب العربية في عالمهم منذ اجيال واجيال مع تفاوت درجات الازمة في كل بلد فيه. فهذه الآليات هي من حقوقها الاساسية والانسانية، والتي بها تحقق مجتمعا راقيا للوطن، ولكن في الواقع لا تنعم بها كما يجب كغيرها من الشعوب في العالم المتحضر. وذلك لاسباب كثيرة وعلي قمتها سلطنة حاكم وحكم الفرد لمدة طويلة من الزمن التي تعد أحقابا من الالم. أضف الي ذلك نقص عالي الدرجة في صفة الالتزام والقدرة في الاصلاح، وضعف في مفهوم المضمون الصحيح والوعي الكامل عند الحاكم وحاشية الظلم،بالاضافة الي قلة عنصر التركيز عليها والاهتمام بها عند كل مسؤول. وبهذا بقت قصة الديكتاتورية سياسة متداولة ومستمرة، والتي لا تنتهي ما دام الشعب يسيطر علي نفسه الخوف وعدم الاطمئنان والاستقرار النفسي وبمستقبله. فليس له الحرية ولا مجال له ان يتقدم، لان هناك حاكم ومن (يطبل له) يحكمونه بقيود و بعقلية رجعية، ابرزها القمع و التخلف والاجحاد والظلم، والانتهازية والانانية، والاستبداد الفكري المنافي لكل بنود حقوق الانسان. هذه العقلية السائدة أصبحت كالعدو الفعلي والحقيقي للشعب العربي وسبب تأخره! وما دام هذا هو منهج فكر الحكم فإذن العناء لن ينتهي!

مادام الشعب ايضا ُيجر بدون ارادة وحرية  تعبير واختيار فهو إذن سيمكث في نفس عيشة الفقر الفكري والمادي، وما تحت درجة الفقر في بعض البلدان،و تبقي معاملته كما هي بنفس وسائل الاستفزاز والتعسف، وبهذا فقصته مع من يحكمه لن تنتهي لان الثقة المتبادلة بينهم غير موجودة ومفقودة! وبالتالي فردة فعل الشعب،بالمعدل العام،هو العصيان بالتخاذل عن واجباته،وعدم المهنية والانضباط في التعامل وأداء وظيفته علي اكمل وجه، والغياب المتكرر في العمل لانه فقد روح الولاء والمسؤولية التي اصبحت عادة سيئة، وعلاقة غير حميدة بينه وبين العمل ومن يتعامل معهم. مما ادي ذلك الي بطالة اجيال بنسبة عالية والتي صنعت البطالة المصطنعة بسبب الاحباط والتمييز و قلة الفرص وصعوبة الحصول علي العمل. ولذا اتخذها بعض الشباب كتحدي علني وكأن لسان حالهم يقول"لا فرص لا عمل “ فيجوبون الشوارع و المقاهي للترفيه بالاكراهّ! ولهذا فعجلة الانتاج والتقدم في البلاد جامدة لا تتحرك!

فتأخر وجمود الدول العربية في السير تجاه عالم التقدم إذن قصة لا تنتهي،ما دام تُرك حبل الحاكم علي الغارب وعلي هواه يستغل الشعب، حيث يبقي هو دائما بدون محاسبة ومراقبة،و يستمر يعمل بمفهوم مغلوط! فهو يحكمهم بنظرية التسلط الخائبة والفكر الغير سليم. اي مثلا طرق مفهوم الريادة عند الرئيس،بالمقياس العام،تراها معكوسة إذا تأملت فيها. فهو يري الانتهازية مثلا علي أنها من سير العمل ولاحرج، والشفافية في المعاملة الادارية مجرد خرافة العصرلا داعي لها مستهزاء بذكاء الشعب، والديمقراطية هي ثقافة علمانية لا يسمح بها حتي يطمس الحريات علي هواه. ثم السماح بالمحسوبية او التغاضي عنها علي انها من احدي عادات المجتمع العربي السارية في الحصول علي اي عمل، اي عادة متأصلة فيه لا ضرر من استخدامها لصعوبة مكافحتها او التخلي عنها! وكذلك الاطلاع والعلم والتعلم والتعليم العالي ليس ضروريا لكل فرد، فيجعله محصورا علي قلة من الشعب اذا تكرم بها! ومادام خدمة الشعب لا تأتي في  قمة "اجندة" رئاسته، و ليست من اهم واجباته ومسؤولياته الملحة فيبقي الشعب نكرة بالنسبة له! و كذلك مادام رفع من مستوي الشعب في اساليب الحياة غير محسوبة في مخططه، اي ليست من  الاعمال الادارية والوظيفية الملحة والضرورية في منهج ادارته كما يظن،فإذن تجدها في اغلب الاوقات في لائحة المهملات او تنتهي في سلة القمامة. او يرمي المسؤولية( كالكرة) في ملعب وزراءه وتبقي بذلك علي عاتقهم من غير متابعة او محاسبة لهم ايضا، ويضيع الوقت الغالي. وبذلك فُرض علي الشعب قساوة عادة الانتظار في الحصول علي مستحقاته مما زاد من مستوي غليان غضبه الي درجات عالية وموقوته بزمن كالبركان في اي لحظة! فالريس العربي(ملك او رئيس) يمثل قوة الحكم الفردي المنفرد، ومؤسس النظام السلبي الظالم في الحكم، ولهذا كما يحلو له يُسيره، وبأمره ايضا يشل عجلة اي إزدهار!

نلاحظ ايضا بأن اساليب مفهوم سياسة وضع الاوليويات في الحكم لم يعطي الاهتمام والتقدير اللازم لها ولا عجب! فأهمية هذه المسؤولية ليس لها ثقل كبير في حسابات جدول اعمال (الريس) و المسؤول. ولهذا ٍلا نري علي الارض اي ازدهار كبير يُذكر او يُبجل سواء كان معماريا، صناعيا، زراعيا، تعليميا، او اجتماعيا والقائمة قد تطول ذكرها هنا ولك التكمله! .فالتفكير في الاهم قبل المهم يساعد في حزم اختيار المشاريع الوطنية والضرورية عن غيرها لنمو الوطن واصلاح من معيشة الفرد كغيره من الامم. اختيار الاولويات،في العموم، تختلف باختلاف نباهة ومنطق ومعرفة ووطنية من يرأس البلاد، او المسؤول علي ادارتها. ايضا دراسة الاهداف وغايتها مهمة في معادلة فرزها عند الاختيار، وليس طبقا للرغبات الشخصية لأي احد،وهنا نجد الموضوعية عندهم تعتبر كأنها إمتحان صعب النجاح فيه في اي عمل! فالاولاويات في انجاز الاعمال هي خريطة العمل والتي يقاس بها فاعلية القرارات ونجاح المشاريع. 

 فنراها لا زالت غير واضحة بل تكاد تكون غائبة لفقدان جدول التنفيذ المهم والمدة لبناءها، والتي تأخذ بيد الشعب والوطن من درجة الفقر الي درجة التقدم. هذا لا شك يرجع الي فقدان مفهوم منطق الفرق بين ما يريده صاحب القرار شخصيا وما يحتاجه الوطن موضوعيا!!!   فعدم وجود التخصص والخبراء وآلية المتابعة السليمة واحترام الوقت المتزامن مع فريق العمل للحرص علي تنفيذها طبقا لخريطة المشروع، تجعل الحاكم  في دوامة الاختيار ومن ثم تتلابس عليه الامور فيما يجب وما لا يجب و الحاجة اليها و الغاية منها. فيركن المشاريع الي جانب(تحث الدرج) ظنا بذلك ان الشعب لا يدري ولا يهمه ما يحدث! هذا الاهمال المتفشي والفوضي الفكرية تعتبر سياسة إدارة ركيكة فاشلة و لا تصلح في ادارة بلد وشعب. لانها غير مسؤولة ولا يعتمد بها و تؤثر في تأخير الاصلاح و تُضعف الانتاج و توقف الاعمار والتنمية. هكذا هم اغلب حكام العالم العربي لا يُعتمد عليهم للأسف! و بهذه الثقافة العقيمة ساعدوا علي ضياع الشباب و هلاك وفشل الاوطان. ونتعجب حقيقة من هذا الفكر البائس و المستمر والمستحوذ علي شخصيتهم في العمل! فإن اغلبهم لا ينقصهم تعليم او فرص الانفتاح علي المجتمعات المتطورة، او السفر اليها للاطلاع و التعلم بما يجري في الاتجاه المعاكس لمحيطهم، لتكسبهم معرفة في عملية معني منظومة الاصلاح والتنوير ودرجات المسؤولية تجاه المجتمع كثقافة تكتسب. فبالطبع هناك فرق بين ما يتعلمه الفرد في منهجه الدراسي وبين الثقافة العملية المكتسبة (الخبرة)،حيت يسعي اليها ويجتهد، وكذلك استعداده الفطري لتطوير النفس من قيود الجهل ومفاهيم التعليم والسياسة الخاطئة!

وبالتالي ثقافة الحكم الهابطة والمحبطة هذه هي من اسس اسباب المآساة التي وضعت العالم العربي في قائمة الدول المتخلفة والمتأخرة التي لم تقم كما يجب والتي أشتهرت بعدم احترامها لحقوق الانسان! ومن هنا خُلقت قصة عذاب شعب ووطن التي لم تنتهي ولن تنتهي ما دام ليس هناك قوة توازن حكم رزين متكامل لخدمة الشعب. متحالفا بذلك مع منظومة نظام وإجراءات قانونية عادلة تتبع مع كل فرد رئيس ومرؤوس وبدون تحيز وتمييز، ووجود فعلي لقضاء نزيه ومحايد يلجأ اليه!  لا تنتهي ما دام الحاكم العربي لا يحترم القانون فيهرب من المسائلة لانه يدري  آجلا ام عاجلا اين ينتهي به المطاف اذ ما كانت هناك مؤسسة قضاء قوية فعالة،او هناك هيبة دستور الضامن للحقوق والعمل به، ليحمي الافراد علي كل مستوي ويمنحهم الحياة الكريمة ويذهب عنهم الظلم. الدستور ضروري فهو الجلاد المعنوي والقاضي الذي يرعي الحقوق. إنه اذن لسان الشعب وقاضيه ومحاميه وشفيعه في حياته وعقد بينه وبين من يحكمه! اي نعم عقد وشرطي مرور ايضا يجعل من يحكم ويصول ويأمر الشعب و من يعيش في ارضه ان "ينتبه" ويحرص علي الا يقع في مخالافات واعمال غير قانونية تجاه الشعب والوطن. فهو المرجع والمنبه وراسم قواعد سياسة فصل السلطات و كيفية عدم دمج نفوذها. هذا حتي لا يبقي حكم الفرد هو القوة ( اي كل شيئ) ليسري العدل والمساواة والديمقراطية في الحكم! إنه حماية كبيرة  لسيادة وعزة وطنه من الاستبداد! فعدم  فاعلية وجوده يعني بان الدولة لم تقم، واستمرار التخلف يبقي اداة خطرة ضد الشعب ووطنه!

أضف الي أن سلبية الحاكم العربي تسبب في عرقلة عجلة  النمو والتقدم عندما لا يرغب في التعديل والتغيير لبلادة وركود شخصيته وجماد فكره وخمود نشاطه العملي. والتقصير في مفاهيم معالجته لقضايا الشعب، ومتلكئ في تفعيل مشاريع التنمية في الوطن! فتأثير فكر الجاهلية المتخبط الجامد يجري في عروقه كغيره من حكام الامس بدون اشارة انتباه للكف عن ذلك، او بالاحري (فُطم عليه) بعادات سيئة لا تنفع في الحكم! فمنهج القيادة كما يراه، هو   الكبرياء والتعالي والتحدي واستعمال العظمة ونفوذ المنصب لمصالحه الشخصية وليس لخدمة كل الشعب. فالقيام بواجباته قد تُؤجل كما يحلو له او تُأخر الي يوم لا نهار فيه. فهو يعتبر آلة الفساد والتأخر! فكيف له ان يتغير ما دام عقلية التملك تعتبر ثقافته،و ثروات البلاد هي خزائنه، اي تحت إمرته. فهو لا يتغير ما دام محاسبته لا زالت في علم الغيب وفي غياب مسؤولية وعدالة القضاء. وبالتالي يجعله يتمتع بالصلاحيات والنفوذ ويحصل علي ما يريد بدون مراقبة،ويتصرف كما يريد بغفلة او حتي بعلم الشعب المسكين. 

فتري ايضا وجود (الريس) في الحكم يأتي بسياسة التمويه والتضليل الخارجي،التي تُوهم الشعب بانه جاء من خلال انتخابات شفافة وبخطة مرسومة مرافقة بانجازات عمل. والواقع غير ذلك فلم يري الشعب اي انجازات الا عن طريق اوهام ومذهب (سوف) نعمل! بل جلس علي الكرسي بانتخابات شكلية سطحية، لانها ليست في الواقع  لصالح الفرد او تسير بإرادة شعب واعي. هي مظهر شكلي لتغييب الشعب عن واقعه. ولذا فمن يعتلي الكرسي يعتلية من غير احقية وتأهيل ووجهة حق، فيصبح مجرد اعاقة للشعب وللوطن. ويبقي التغيير والاصلاح مصطلح لا يستعمل او يؤمن به،واذا طالب الشعب بذلك يعقاب بغلاء الاسعار وتأخير راتبه الشهري وكأنه "بقشيش" يُعطي له!   ويذل بعدم تلبية طلباته وتوفير حاجاته اليومية والانسانية، ومن هنا تبدأ القصة الساخرة!

فعدم حماية القانون للرعية هي إذن دوامة بائسة يعيشها الشعب العربي كالصداع المزمن ليس له حل ثابت! فالقوانين المدنية في الملفات الحكومية تراها مثلا كثيرة وفاقدة للمعني الطيب لها، لانها موجودة علي الورق كسلاح يصوب ويستخدم ضد الشعب لتعرقل مسار حياته. و كثرتها وتكرارها وتشابهها إلا لتزيد من قلقلته وتنغص عليه عيشته، ومراوغته وضياع وقته فقط ولا يحصل علي ما يريد بعد قسوة معاناة الذهاب والاياب من مكتب الي أخر بدون فائدة. لأن ،كما اشرنا، ثقافة  فصل نفوذ مكتب الرئيس عن المؤسسات التي تشرع القوانين من الاخري التي تنفذ الاحكام  تعتبر نبع لسياسة الحكم الديمقراطي. سياسة لا يعمل بها لانها ستفقدهم قوة التسلط، وتجعل المؤسسات من غير نفوذها الحقيقي لان الاصل فاسد! فمادامت سياسة الراعي هي المعاملات الغير شفافة و المريبة و تصحبها الرشوات والسرقة لاموال الشعب في كل فرصة، يبقي اذن من الضروري في الوقت الحساس الراهن، إيقاظ ضمير الشعب اكثر من ذي قبل حتي لا يترك  تصرفات من يقود الامر في بلاده  والخالية من إلاحساس الوطني والضمير الحي ان تستمر في اللعب به والاستهزاء بذكائه وتبقي من غير محاسبة! وبهذا لابد ان تتجه مخاوف وريبة الشعب باكثر حرفية ويقظة تجاه النظام وبالاخص نحو الحاكم نفسه! فعلي الشعب ان يتوخي الحذر ويضعه تحت المنظار والمسائلة بشجاعة، لان الارض ارضه والمال ماله، ولابد ان يتبني هذه الثقافة الذكية والعملية في معاتبة ومراقبة كل مسؤول غير امين، اي يكون له وقفة نظام وشجاعة ادبية مع الحاكم  عندما يري مشكلة الفساد والخراب ينشر انيابه، لكي  يعرف من يريد له الشر، وايضا ليتفادي ان يكون القول القديم "حاميها حراميها” هو النظام !

لكن دعنا نشير بأن عندما تستخدم قوة الحاكم كما يجب قانونيا وبالعدل، وعدم فرض نفوذه علي القوي السياسية الاخري محترما بذلك وظيفتها، ومتمشيا   بقواعد دستور البلاد، عندها تبقي القوانين تعمل كما ُرسم لها  وتستخدم بهدفها السليم والصحيح، و تكون في خدمة الفرد، و تُفرض علي الحاكم والمحكوم سواء، و من غير تعصب وإنحياز ومحسوبية ومحاباة. عندها فقط يبقي لقوانين البلد معني وطاعة واحترام وهيبة لانها تمثل العدالة في صورها الحقيقية! ففقدان وجودها بهذا المفهوم القانوني السديد يجعل الفرد  يشعر كأنه يعيش في معتقل كبير ولكن غير انفرادي ومفتاحة بيده! فالسكوت علامة الرضي، و بارادته هو يجعل نوعية هذه المعيشه الظالمة ان تطول و تستمر الي ما لا نهاية! ،لابد ان يعي بان سلبيته خطر علي استقلاليته،وسيصبح  بذلك عضوا كبيرا ومؤسسا (لسيناريو الظلم) قصة النظام العربي المتخلف! خاب العالم العربي في ان يخلق نظام ومنظومة حكم متكامل وفعال لانها لا تعجبه، فلجأ الي نظام بديل له يريده ويفهمه وسهل تنفيذه اي العصي، ولكن ليس فقط لمن عصي، بل لمن لم يعصي، او حتي يفكر في العصيان!

نري بان قوة التحكم في العالم تتركز ليست علي من لديه المال والعتاد والثروات فقط، بل ترتكز علي  اهداف وخطة ونظام مستمر بفكر مرسوم، وطريق موحد لا يبتعد عن كونه مخطط متجه في مراعاة خدمة الشعب وحماية الوطن، مع وجود نظام المسائلة والمحاسبة والمراقبة المالية. نظام كالعصي الخفية التي تُخفيه لكي يتجنب الخطأ او تفادي مواجهة تنفيذ الحكم  لانه فعال. هذا الي جانب مدي التزام وإخلاص ضمير الرئيس تجاه رعيته ووطنه وكيف سيحاسب اذا ما خاب! هذه كلها قوة موحدة  متساوية مع جهد الشعب الحر وبفكره واجتهاده علي التقدم الشخصي. ولذا  تجد البلد الذي يتميز بمنظومة ونظام ديمقراطي تري الانسان فيه يعرف حقوقه وواجباته ويعيش تحت مظلتها محترما القانون لأنه ساري علي الكل بدون تخصيص! بالاضافة الي أنه محميا برعاية الدستور و قوة فاعلية مجالسه التشريعية والتنفذية تجاة الشعب والوطن ،وتماسك عدالة القضاء والاجراءات القانونية السليمة، وحرية الصحافة ونزاهتها التي تعتبر القوة الرابعة في الدولة. فكلها قوة متوازنة تتحدي كل متربص خائن ظالم ضده او ضد وطنه، اي ليس هناك اي شخص فوق القانون(نقطة). فأي دولة من الدول الراقية، والتي بمجمل القول، لها قوانين ترعي حقوق الانسان ومسؤولة  بذلك، تضع وزن كبير للشعب وصوته وتذمراته وغضبه،لأن صوته يُسمع عاليا! فهو من يساعد علي بقاء من انتخبه في منصبه او ينهي مدته، او تنحيته بالقانون! فعقلية الحاكم  وسياسته في اي بلد اذن هي التي تُشكل سلوك الشعب وسياسة البلد، ومدي نسبة نجاح التطور فيها من كل الجوانب الحضارية والسلوكية في المهن و النمو والاعمار. نوع هذا النظام لا ينتهي بانتهاء رئاسة من تولي الحكم، لانه ليس حكم فرد، بل إنها، كما اشرنا سالفا، منظومة نظام بسياسة انفصال القوي عن بعضها ولكن بهدف ديمقراطي واحد هو الشعب والوطن،و الفرد عليه احترامها والعمل بها.  فهي تشد من زمام اي تهور ومتهور وتسيب،او ظلم وظالم او استغلالي مستغلا لنفوذ المنصب.

لا يخفي علي  اي عاقل بان الانسان خُلق حيوان ذكي بغرائزه واختياراته في حياته. فهو إذن نفس المخلوق في كل بقاع العالم من وفي نواحي عدة، واختلافه عن غيره، بغض النظر عن لغاته واعتقاداته،يكمن في تكوينه الاسري والثقافي والادبي، وتعليمه وصحة عقله، وعادات مجتمعهِ وشغفه في التغيير وتقديره لنفسه. اي من ناحية نزعاته وشجعه،ورجاحة عقله واخلاصه وقوة ضميره وطموحاته وحبه وكراهيته وتفادية للشر. فهي تتفاوت في ضعفها وقوتها وتماسكها بتفوات صلابة ثقافة وبيئة و ايمان مجتمعه الكبير اي التأثرات الخارجية ( المجتع) ومجتمعه الصغير اي التأثرات الداخلية (الاسرة والبيئة المحيطة به) التي تربي فيها و نمي فيها شخصيته. ولكن من يروض ويردع  الانسان ،بغض النظر، عن كل ما يلزم في بنية شخصية الفرد،هو تماسك نظام الحكم الديمقراطي بمؤسساته وفاعلية القانون والعدالة و تنفيذ العقاب والثواب،من ناحية ما عليه وما له من حقوق وواجبات. اذن بإقتضاب الفرد  في مجتمعه يتعلم ان يتبع نظام الحكم وتقاليد بلاده و يتمشي بقوانينها العادلة ويعيش بها ليتجنب اي اضرار وعقوبات غير لازمة. ولذلك عندما يكون هناك تسيب في كل شيء ولا دولة  قائمة علي اعمدة انظمة و نظام صلب، ومؤسسات قوية متوازنة  تساند وتعمل لصالح الشعب كله وبلده بكل اطرافه، وليست فقط لتخدم فرد بعينه،عندها يبقي معني رئيس وحكومة مجرد لعبة سياسية قذرة علي الشعب، ورتب ادارية تلهم امواله من غير استحقاق ولا تخدمه في شيئ يذكر، ووجودها ليس لها احترام ولا قوة دولية، والاموال تصرف بذوق الحاكم من غير خطط التطوير او مدة تنفيذها   المستقبلية (اما الخماسية او العشرية او ابعد من ذلك)، والرشاوي تأكل ما يتبقي منها وامثال ذلك كثيره في العالم العربي بالاخص! فمعرفة واجبات الفرد تجاه وطنه تأتي عندما يري العدل مصان وكرامته وحقوقه لا تهان، وحياته في سلام. فالادراك بها تعتبر سلوك وطني ناضج ومهم في تفوقه الفكري ونمو وطنه وتقدمها الي الاحسن،والتي  تساعده علي جعل بلده دولة منتجة وذات سيادة وعزة.

نتعجب وبحيرة من الذين قبل إستحواذهم علي الكرسي السحري كانوا يتغنون بالاصلاح وحماية الشعب والوطن وبالديمقراطية وحقوق الانسان وينشدون انغام (سوف و سنعمل)، وبمجرد ما يستولوا علي كرسي الريادة، ينساق المسؤول والرئيس سريعا وراء نزعاته الشخصية من مال وجاهة وشهرة، ويترك الوطن في(كبسة) والشعب في (ورطة) وسقم الحياة. هل الكرسي يخلق المارد ويجعل منه انسان اخر مختلف وغريب وجاهل و غير صالح، او ان الطبيعة الضعيفة في تكوين شخصيته كإنسان من الاصل تغلب عليه، و بالتالي يصعب عليه التطبع بمباديء راقية للحكم الرشيد لانها اعمال شاقة لا يقدر عليها ولا يفهمها!

اين ذهبت  المباديء العالية الرقي ليحيي بها الوطن وينعم بها الشعب؟ من يملكها فيه كانسان راقي   ووطني من ابناء الوطن في الساحة العربية يا تري؟ فالبحث جاري، ولذا متي يصحي الضمير الوطني وهل هو حقا موجود بينهم؟ متي يدرك المسؤول ان يتعلم محاسبة النفس قبل محاسبة الشعب و قبل ضياع الوطن بسببه؟ من سيرفع  بمستوي العالم العربي الي الاعلي وكما يجب ويحق لهّ بدلا من الاستهزاء به وينشله من صفة التخلف المعروفة به؟! أين هي مبادئ خدمة وحماية الارض وعشق الوطن بحيث لا يدع اي غريب يستولي علي عقله و يجعله يسرق وطنه لانه فشل في حمايته! اين هم اولاد الوطن القادة الحقيقيين الاوفياء الذين لا يُشتروا ولا يُباعوا ...أين هم؟!

كاتب ليبية 

الاراء المنشورة ملزمة للكاتبة ولا تعبر عن سياسة البوابة