الجزء الرابع من مقال "ستيفاني وليامز": سفه سياسي .. وعين على بريمر!! ؟
لعله من حسن الحظ (رغم سوء طالع الليبيين المرتبط بالموضوع نفسه) ، ان يتم نشر هذا الجزء من المقال عقب ايام قليله من اعلان عبدالله باتيلي باحاطته امام مجلس الامن الدولي الواقعه بـ 27 فبراير 2023 ، عن تبنيه رسميا للعنة وليامز ، وذلك باتخاذ قراره بمواصلة التلاعب والاستخفاف بالليبيين عبر اعادة استنساخ حطام وليامز السياسي باعادة احياء مسخها البرلماني الموازي من جديد .
واما حسن الحظ هنا ، فنعني به الفرصة التى يوفرها هذا المقال لليبيين لمعرفة حقيقة الحطام السياسي والارث الاممي المنحط ، الذى خلفته وليامز وراءها في ليبيا عقب انتهاء ولايتها كمبعوثه امميه ، والذى افرزته مؤخرة التركيبه الاستعماريه "لبرلمانها العرفي" الذى اشاعت به الفساد والعنف والفوضى بين الليبيين ، والذى يعتزم باتيلي اعادة انتاجه من جديد ، وذلك بالرغم من علم باتيلي قطعا ، بان برلمان وليامز الموازي – والذى مايزال الليبيون يتجرعون مرارة عواقبه الوخيمه حتى هذه اللحظه - هو السبب الرئيس بخلق كل الحطام السياسي الذى يخوض فيه باتيلي اليوم ، والذى يبدو انه عقد العزم على اعادة انتاجه في الليبيين وتوريثه لمن سيخلفه .
***
ولان الجزء الاول من هذه الدراسه او المقال قد اهتم بتقديم القصه الكامله لجولة وليامز الثانيه التى اقتحمت بها البلاد مجددا تحت صفة مستشارة غوتيريش الخاصه ، وهى تحمل اوامر انجلوسكسونيه صارمة بحتمية اغتيال الانتخابات الليبيه ، وهو ما نجحت فيه فعلا بالغدر بها حتى ارداءها قتيله ، وذلك قبل ان تغادر ليبيا تاركة الليبيين من خلفها وهم يتحلقون حول جثمان انتخاباتهم وقد عقّدت الصدمه امخاخهم حد اختلاط نواحهم على انتخاباتهم المغدوره بهذيان اتهام كل فريق منهم للاخر (جهلا وبهتانا وظلما) بارتكابه هو وليس وليامز ومن وراءها لتلك الجريمه السياسيه المروعه . وعليه ، فاننا سنهتم بهذا الجزء الرابع من هذه الدراسه بالكشف عن طبيعة حطام وليامز السياسي الاول ، الذى خلفته وراءها في الليبيين عند نهاية ولايتها كمبعوثه اممية فيهم . وحتى لا نلقي بالاتهامات جزافا او على عواهنها ، دعونا نباشر ببيان طبيعة ذلك التاريخ السياسي الستيفاني الاسود .
يقول تاريخ وليامز في ليبيا على قزميته وشدة تخبطه ، بان الحطام السياسي الذى خلفته وراءها مع نهاية جولتها الاولى في ليبيا ، لم يبدأ عمليا عقب تخلصها من غسان سلامه واستفرادها ببعثة الانسميل ، بل بدا ابكر من ذلك بكثير ، بل ولقد بدأ منذ ان كانت موظفه بسفارة بلادها في ليبيا. وعليه فانه من بين اشد فصول تاريخ وليامز السياسي قتامة في ليبيا والذى اسست به لكل جرائمها السياسيه اللاحقه . هو ان هذه الوليامز وليس غسان سلامه ، هى من تلقت اوامر حكومة بلادها بتنفيذ جريمة اعادة انتاج الفوضى التى قامت على توريط وليامز للبلاد بالغاء الدائرة الدستوريه بالمحكمه العليا ، وترك البلاد كالعمياء التى دُفع بها وهى مجرده كليا من ملابسها و حذاءها وعكوزها ، لتتخبط وسط غابة جافة و كثيقة ، لا تعج باخطار الافاعي و قطاع الطرق فحسب ، بل وبسجادة لا نهائيه من الاشواك والحشرات السامه واغصان الاشجار الضخمه والجافه و المدببه التى يمثل كل غصن منها مشروع سيف جاهز لقتل كل غافل ، فما بالك بفاقدة للبصر تندفع بين افخاخ تلك الغابه وهى مذعوره.
فصحيح ان غسان سلامه كان شريكا مباشرا بارتكاب جريمه سحق الدائرة الدستوريه وترك المؤسسات المحليه بحالة انسداد سياسي وانغلاق كامل بالدوران الطبيعي للسلطه ، وصحيح انه كان هو الفاعل الظاهر بممارسة الضغوط والاكراه على المحكمه العليا حتى توريطها بتنفيذ الاغلاق ، الا ان المؤكد هو ان الامر الخاص بارتكاب هذه الفاحشه السياسيه ، كانت قد جاءت به وليامز (وليس سلامه) في صورة امر صارم من حكومة بلادها ، وذلك تمهيدا لامرين : اما الاول فهو قطع الطريق كليا على لجنة الستين لانصاف الناخبين الليبيين ضد كل اشكال الاستعداء و العدوان الانجلوسكسوني ضد مسودة الدستور ، التى اعتبرتها واشنطن ولندن شيطانا مريدا يتوجب القضاء عليه ببرغماتيه شرسه مجرده من كل خلق ومبدأ وقيمه ، ما دفعهم الى ان تكون اولى اهم خطوات انتقامهم من مسودة الدستور وتهميش اصحابها ، هو سحق الاداة الرئيسه امام لجنة الستين لتحقيق هذا الانصاف ، وهى الدائرة الدستوريه بالمحكمه العليا .
واما ثاني هذين الامرين فهو ضمان نجاح المخطط الانجلوسكسوني الاشد فتكا ، والذي نفذته لحسابهم ممثلتهم وليامز بصفتها المبعوثه الامميه في ليبيا وذلك باختراعها الذى يعد الاول من نوعه بتاريخ العالم السياسي ، وهو اقامة مؤسسه سياسيه عليا بدوله مستقله بصورة عرفيه ، و على حساب نظام سياسي قائم فعلا على مؤسسات سياسيه منتخبه (على علاتها ) . واما الادهى فهو بناء هذه المؤسسه السياسيه العليا (او لجنة الـ 75) على شراكه "محليه – اجنبيه!!" ، كانت فيها القيادة والسيطره بيد الطرف الاجنبي حصرا ، وهو ما سنفصله لاحقا .
بيد ان البدايه الحقيقيه لظهور الحطام السياسي الخالص لوليامز كحاكمه مطلقه بامر انسميل والدوله الليبيه بدأ عمليا مع وضع حرب 4 ابريل 2019 لاوزارها . حيث انه وبدلا من ان تتجه هذه الامبرياليه ومن وراءها الى صنع حل استراتيجي يقوم على جمع قادة الحرب وهم خليفه حفتر وامراء الكيانات شبه العسكريه الاخرى لصناعة سلام الشجعان ، باعتبارهم هم الفاعلون السياسيون الحقيقيون على الارض ، وخاصه الكيانات شبه العسكريه بغرب البلاد الذين قام تصديهم الاصلي لهجوم الرجمه عليهم ، على اعتمادهم على اسلحتهم ودخيرتهم الخاصه ، وادارتهم الذاتيه للحرب ، والتى لم يكن لها فعليا من تخطيط عسكري محترف ولا قيادة حقيقيه من قائد أعلى او وزير دفاع او رئيس اركان ، الا من الناحيه الشكلية ، بل ان ما قامت عليه تلك الحرب هو تبني كل جبهه من جبهات هذه الجماعات شبه العسكريه لمبدأ الدفاع عن صاحبها فقط ، والذى كان سيُسمّى اى نصر او سقوط لجبهته باسمه المجرد .
كما ان هؤلاء الثوار او القاده (العسكر – سياسيين) كانوا قد تعاطوا مع الحرب بصورة ثوريه مستقله ولاهداف ومصالح سياسيه تخصهم وحدهم ، لا يمكن للسراج بالمقابل ان يشاركهم فيها ، ولا هم شاركوه فيها ، ولا كانوا سيشاركونه لا هو ولا من اسلافه ولا اخلافه من سياسيي الصدفه باى من اهدافهم او سياساتهم التى كادوا ان ينقلبوا عليها اكثر من مره لولا الحمايه اللصيقه التى كانت توفرها واشنطن ولندن له ولاسلافه واخلافه . كما انهم لم يتعاطوا ابدا مع السراج ولا لمره واحده باعتباره قائدهم الاعلى ، او باعتباره طرفا يملك اى سلطه عسكريه عليهم خارج اطار العلاقه الانتهازيه القائمه على مبدأ "الحمايه واظهار الولاء المؤقت مقابل المال والتمويل " . بل انهم كانوا ينظرون للسراج وطوال ايام الحرب (كما صرح بذلك بعضهم فعلا) باعتباره الناطق باسمهم لا اكثر ولا اقل ، طالما ان تصريحاته كانت تصب في صالحهم وتهاجم عدوهم .
بل و حتى صفة الناطق نفسها ، لم ينالها السراج منهم بشكل واضح نسبيا ، الا عقب تحركه نحو الاتراك الذين قبلوه اصلا لاجلهم ، باعتبارهم هم الشركاء الاصليين لانقره وليس السراج . بيد ان ما بدى وكأنه نجاح للسراج بجلب المرتزقه والاسلحه من تركيا ، رغم انه يعود برمته الى اوامر واشنطن واشعال اضواءها الخضراء لاردوغان ، استطاع ان يحدث قبول افضل من جانب الثوار لممارسة السراج لدور الناطق باسمهم ، وهو الدور الذى لم يتمتع السراج بغيره بعلاقته مع الكيانات شبه العسكريه طوال فترة حكمه لاقل من نصف البلاد ، ولعل مازاد من انتهازية العلاقه بين المقاتلين والناطق ، هو اعلان الرجمه صراحة بانها كانت تطلب رؤوس الطرفين معا بهجومها ذاك .
ولعل واحدة من اخبث التقنيات السياسيه التى استخدمها الانجلوسكسون بعد ان وضعت الحرب اوزارها لمساعدة وليامز على اتمام ما هى مُقدمة عليه ، هو دفع المشير حفتر الى الظل كليا بعد ان كان واحد من الفاعلين الرئيسيين بكل المحافل السياسيه التى عُقدت لاجل ليبيا من باريس الى سانكلو الى باليرموا و ابوظبي وموسكو و برلين . ويعود هذا المكر السياسي الى خوف الانجلوسكسون من اثارة حفيظة امراء الحرب بالمطالبه هم ايضا عقب وضع حرب 2019 لاوزارها بالمشاركه بالمحافل السياسيه اسوة بحفتر . وهو الامر الذى كان سيقود بحال وقع فعلا الى تحقق الالتئام الاعظم لمسار القوى الحقيقيه الفاعله على الارض ، واتجاه البلاد جديا وعمليا نحو المسار الصحيح بصناعة سلامها و استعادة استقلالها وسيادتها.
بيد ان الاتجاه الى جمع القوى المسلحه باعتبارهم هم القوى السياسيه الحقيقيه للبلاد طالما كانت ازمتها السياسيه المركزيه هى ازمة الصراع على شرعية السلاح ، كان يشكل تهديدا خطيرا للمصالح الانجلوسكسونيه الرئيسه في ليبيا وهى الاستيلاء على البلاد برمتها من اصحابها ، وعليه فلقد كان من الطبيعي ان تنتهي مؤامرة وقف اطلاق النار ، الى اتخاذ وتنفيذ قرارهم بابعاد حفتر كليا عن المحافل السياسيه الخاصه بليبيا وذلك لضمان قمع ظهور اى رغبه لدى قادة الحرب الاخرين بهذا الشأن . وهكذا احيل الامر برمته الى سياسي الصدفه الذين كانوا فعلا عند حسن ظن واشنطن باستعدادهم المطلق لاظهار خضوعهم التام للتوجيهات والاوامر الامريكيه . وكان ان دُشن هذا التوجه باستبدال حضور حفتر فعلا بشخصية هزيله عُرفت بانتهازيتها النهمه لجهة تركيزها على مصالحها الشخصيه ، وهى شخصية عقيله صالح ، و المضي قدما باقامة العملية السياسيه التاليه برمتها على جملة سياسيي الصدفه الذين هم على شاكلته .
وما ان نجحت المؤامرة الحربيه (الانجلوسكسونيه - الروسيه – التركيه) بوقف حرب ابريل 2019 ، وانهاءها بما اسموه (بخط الهدنه ووقف اطلاق النار) ، حتى برز دور وليامز الرئيس بتلك المرحله بقيامها بتوثيق ذلك الخط رسميا من خلال توفير اكبر قدر ممكن من الاوراق الدوليه الصفراء التى تجعل من مؤامرة وقف اطلاق النار سلسال فولاذي متين جديد يكبل معاصم الليبيين ، الى جانب سلسال الفصل السابع ، ولتوجه وليامز ومن وراءها بذلك ضربه قاضيه اخرى الى استقلال الدوله الليبيه . كما كان لابد لها لانجاز جهودها الذميمة هذه من خلق شريكها المحلي او وكيلها الليبي بصناعة هذا القيد الجديد والمناهض لمستقبل الليبيين ، فقامت ببعث مسار عسكري فاشل وعقيم كونته من عشره عسكريين ، اختارتهم على فرضية وجود جيشين بشقي البلاد ، و كما لو كانت ليبيا هى الكوريتين او القبرصين ، او الالمانيتين ما قبل سقوط جدار برلين ، رغم ان خمسة عسكريين من اصل العشره يكادوا يكونون خارج الخدمة اصلا.
بيد انه وبالرغم من حقيقة حالة العقم التى اقترنت بما يسمى سخفا بالمسار العسكري و منذ لحظة بعثه الاولى ، الا ان الحقيقة تقتضي الاعتراف بان هذا العقم لا تعود اسبابه ابدا الى اشخاص العسكريين العشره انفسهم ، وانما تعود برمتها الى تآمر من قرر وضعهم على كراس ليست لهم ، باعتبار ان امراء الحرب الذين قسمو ليبيا الى دويلات جيوسياسيه متكاملة الاركان ، ويملكون القرار السياسي العسكري باعلان الحرب سواء القرار الخاص بمناطقهم ، او القرارالعام حين يتحدون انتهازيا ضد خطر موحد كخطر الجيش الليبي بـ 2011 وخطر الرجمه بالـ 2019 ، والذين يسيطرون عمليا على اسلحة الجيش الاسترتيجيه ، ويمارسون دوره ، ويحتلون مقاره وكل منشآت البلاد الاستراتيجيه بما فيها المنافذ البريه والجويه والبحريه ، ويتمتعون بالشرعيه الثوريه التى تمنحهم الصفه السياسيه ، هم الذين كان يجب اجلاسهم على كراسي المسار العسكري مع الرجمه ، وليس عشر عسكريين بينهم خمسه افتراضيين لا وجود لهم باى سلسلة قيادة حقيقيه .
وعليه فلقد كان من الطبيعي جدا ان يفشل الاخوه العشره بتسوية اى مساله تخص مسارهم مهما كانت وثيقة الارتباط به ، حد ان لقاء صدام حفتر والحصان والذى جاء خارج اطار مخططات وليامز والاملاءات الانجلوسكسونيه ، والذين هما ممثلان لقوتان مسلحتان من الكيانات المتنازعه على شرعية السلاح وليس اعضاء بلجنة العشره ، هما الذين قاما وفور اتفاقهما معا ، بازالة كل السواتر والحواجز والموانع الحربيه التى كانت تحول بين الناس وبين السفر البري المباشر من مصراته الى شرق البلاد ، رغم ادعاء وليامز الباطل مرارا بان هذه المهمه تعد من بين المهام الرئيسه للجنة العشره .
وبتشكيلها لمسارها العسكري العقيم ، كانت وليامز قد نجحت فعلا بتحويل العسكريين العشره الى مجرد شهود زور وشركاء لها بتوثيق كل الشر المتصل بوضع يدي ليبيا بصفد جديد وهو قيد وقف اطلاق النار ، والذى اضحت ليبيا غير قادرة عمليا ومنذ لحظة توقيعه من طرف العساكر العشرة فصاعدا ، على التخلص منه تلقائيا ، ما يعني ان انهاءه بات لابد وان يعرض ليبيا الى الكثير من الابتزازات الاجنبيه . و هكذا فان الليبيين لم يحصدوا شيئا من اتفاقيات المسار العسكري العقيم سوى جبال من الدجل والوعود الكاذبه التى كان احطها وعد وليامز لليبيين والعالم بخروج كافة قوات المرتزقه من ليبيا خلال 90 يوما من تاريخ توقيعها على وثيقة صفراء بشأن هذا الرحيل صحبة عشرتها .
بيد ان هذا النكوث كان فاجرا ولم يحدث سرا ، حيث فوجيء الليبيين بعد مرور بضعة اشهر على صدور "وعد وليامز" وهى تخرج عليهم جهارا نهار لتعلن لهم وللعالم بكل صفاقه بان المرتزقه باقون ولن يغادروا ليبيا بوقت قريب ، لا بل والحقت ذلك التصريح باخر ادلت به لقناة العربيه الحدث جهارا نهارا ايضا ضمن ما كانت تقوم به من توطئه لتحقيق الغزو الامريكي لليبيا ، والذى كان يحضر له ترمب على قدم وساق ، قالت فيه (بانه على الجيش ان يتم انسحابه من المنطقه الوسطى للبلاد لمسافة لا تقل عن 300 كيلومتر - مضيفة بخبث بالغ في اشاره الى التجهيز للغزو - بان العالم ملزم بحماية مصادر الطاقه الليبيه باعتبارها ثروة يتشارك فيها الليبيين مع العالم ) .
ورغم اهمية سقوط ترمب لليبيين الذى كان يخطط لابتلاءهم باحتلال منابع نفطهم ، الا ان تلك الفترة لم تحمل سقوط ترمب فقط ، بل وحملت ايضا سقوط وعد وليامز بخروج مرتزقتها ومرتزقة الروس من ليبيا ، فها نحن نعيش اليوم مرور اكثر من ثلاث سنوات على وعد وليامز المخادع ذاك الا ان احدا من اولئك المرتزقه لم يخرج من البلاد الا لدواعي استبداله بآخر . بل وها نحن لا نعيش اليوم والمرتزقه يحاصروننا من كل جانب فقط ، بل ها هى البلاد اليوم تعج عجا بالقوات الاجنبيه الرسميه المحتله وبينها التركيه و الامريكيه والايطاليه والفرنسيه ، وذلك حد انني عشت شخصيا ذات يوم لم يمضي عليه اكثر من شهر ، واثناء زيارة لي لمقر البرلمان بمدينة بنغازي ، محاصرة قوات امريكيه لمبنى البرلمان محاصرة السوار للمعصم ، ومن الداخل والخارج معا ، وذلك لان جلالة السفير الامريكي كان باجتماع مع عقيله ، كما اجابني من سالته يومها عن ذلك المشهد المخزي .
وبالعودة الى سرد تاريخ الحطام السياسي لوليامز في ليبيا ، فانها ما ان انتهت من تحقيق الاملاءات الانجلوسكسونيه باضافة قيد فولاذي جديد لمعاصم الليبيين بترسيخ ما اسموه بوقف اطلاق النار الذى اسسوا به رسميا لتقسيم البلاد واعطاءها الصفه الدامغه لنموذج دولة النزاع المسلح ، حتى بدات وليامز بالتخطيط لاغرب اختراع شهدته دوله تعج بالمؤسسات السياسيه وعشرات الجماعات السياسيه الثوريه شبه العسكريه التى تتمتع عمليا بالشرعيه الثوريه .
حيث لم تكتفي وليامز بصنع مؤسسه ليبيه سياسيه تشريعيه موازيه من 75 ليبي من ذكر وانثى وبشراكه اجنبيه مباشره يضطلع فيه طرف اجنبي امبريالي بالسيطرة التامه على قيادة هذه المؤسسه السياسيه ، بل و تمادت هذه الوليامز بغيها بالتجاهل المتعمد لاشراك اهم كيان يتوسط قلب النظام الليبي وهو "هيئة اعداد وصياغة مشروع الدستور" التى لا شرعية تعلو فوق شرعيتها حتى هذه اللحظه ، بكيانها هذا ولو بمقعد واحد . فلقد كان من الواضح جدا من خلال اختيارات وليامز لاعضائها الـ 75 ان المخابرات الامريكيه والانجليزيه قد لعبتا دورا مهما باختيار عددا مهما منهم ، كما كان واضحا جدا ايضا ان الانجلوسكسون انما يفضلون العمل مع سياسيي الصدفه على الخبراء الدستوريبن و قادة الكيانات المسلحه ، لانه وبينما يتمتع هؤلاء الاولون بمشروع دستوري جاهز ، والتاليين بالشرعيه الثوريه والاحساس المعزز لها بتعريض ارواحهم للخطر وتقديم شهداءهم و اطرافهم في سبيل ما يؤمنون به ، ما جعل من مغامرة امريكا بالتعويل على طاعة كليهما العمياء لها مغامرة محفوفه بالمخاطر ، وخاصه ايضا مع توفر ميزة ان كل سياسيي الصدفه قد جاؤا للسلطه اما كصنيعة مباشرة لواشنطن كما هو الحال مع الكبير و السراج والمنفي ودبيبه ومن معهم من فاعلين . واما ان واشنطن ولندن قد نجحتا بصناعتهم بنظام الاحتواء وذلك بالابقاء عليهم عبر تجديد شرعياتهم عرفيا عبر الصخيرات وبرلين كما هو الحال مع مجلسى المشري وعقيله ، وذلك مع ان كل هؤلاء تابعون من الناحيه المحليه لقوى مسلحه يتاثرون بها اشد التاثير .
حيث ان عقيله لا يمكنه تجاهل تاثير الرجمه بمناطقه ، كما ان تاثير امراء الحرب بغرب البلاد يمكن تاكيده من خلال تقديم مثال حى من اخر الحروب التى خاضتها هذه الجماعات وذلك للدلاله على شدة تاثيرها بتحديد من يحكم طرابلس ، ونعني بهذا طريقة حسم صراع (اغا وعبحميد) على شرعية الحكم ، والذى اتجه فيه الطرفين راسا الى الاحتكام الى مواقف الكيانات شبه العسكريه منهما. حيث ان الصراع الذى خاضته هذه الجماعات فيما بينها هو الذى حدد فعليا في النهايه مصير الصراع ، بتحديد هوية من يحكم طرابلس اليوم ومن ظل شريدا خارجها .
ورغم وجود مسودة دستور جاهزه لتعمل على اعادة ضبط اختلافات الليبيين وتنظيم اوجاعهم ، والتى انتجتها اكبر مؤسسه شرعية بالبلاد حتى ساعتنا هذه ، ورغم وجود مؤسستين تتمتعان بالشرعيه السياسيه بصورة استثنائيه من بين كل المؤسسات شبه المنتخبه والمؤسسات الثوريه شبه العسكريه التى تتنازع على شرعيه الثورة والقيادة و السياسه فيما بينها ، وهما هيئة اعداد وصياغة مشروع الدستور التى ماتزال حتى هذه اللحظه هى صاحبة اقوى الشرعيات السياسيه وانظفها ، و يليها البرلمان الذى ياتي ثانيا من حيث سلامة الشرعيه ، لصعوبة حسم مسالة نزع شرعيته ولو بسبب عدم قدرة الليبيين على اجراء انتخابات برلمانيه من بعده .
الا ان وليامز تمسكت بطغيان السير على نهج تأجيج الفوضى التى اضرمها بليبيا الانجلوسكسون قبل اثنا عشر عاما ، باتمام خلق مسخها السياسي المشين ، الذى بالرغم من محاولتها اخفاء حقيقته خلف نعثها المخادع له (بلجنة الحوار) ، الا ان هذا المسخ – والذى يعتزم باتيلي اعادة الليبيين الى محرقته - يظل قولا واحدا هو مجرد "برلمان عرفي موازي" نُصِب بالغش والتدليس ليتحول عمليا الى "ادارة اجنبيه كامله " على شاكلة الادارة البريطانيه قبل استقلال ليبيا لحكم دولة مستقله وتوجيهها بنهج استعماري مباشر ، وذلك استغلالا لظروفها السياسيه الصعبه التى صنعها نفس من امروا وليامز بخلق مسخها البرلماني .
وتأتي اشد صور عدوان وليامز الاستعماريه على السيادة الليبيه هو تصميمها لمسخها السياسي الليبي بحيث يكون رئيسه ومدير جلساته اجنبيا بالضرورة ، حيث انه لا يجوز لاى ليبي من الاعضاء الـ 75 رئاسة برلمان ستيفاني ولو بالتناوب معها على الرئاسه ، او حتى بالمشاركه بهيئة القيادة فيه المُشكله برمتها من اشخاص اجانب . حيث جعلت وليامز وظيفه رئيس برلمانها حكرا على رئيس انسميل او اى اجنبي اخر تختاره هى او من يخلفها . وكان ان رأست وليامز فعلا و بنفسها كل الجلسات التى عقدها برلمانها العرفي وذلك باستثناء جلسة واحدة تراسها كانينغا وكانت بجنيف لان الستيفاني وقتها كانت تختفي تحت عباءة المستشاره ، وخشت من ان يترتب على تقدمها لرئاسة تلك الجلسه المخاطرة برفض ثلاث دول على الاقل من اصحاب الفيتو بمجلس الامن لمخرجات تلك الجلسه ، رغم انها كانت تتواجد فعلا بجنيف اثناء عقد تلك الجلسه التى قادتها عمليا من وراء الاستار .
كما ان برلمان وليامز العرفي لم يمنع اى عضو ليبي من ان يكون ناطقا باسمه فحسب ، بل ان مجرد قيام اى عضو ليبي بهذا الدور تطوعا من قبيل اصدار تصريح رسمي حول ترتيبات يخطط لها هذا المسخ السياسي الليبي ، او اصدار رايا معارضا لآلية او قرار من قراراته ، او عقد مؤتمر صحفي للتعليق مدحا او ذما على جلساته ، انما يجرد ذاك المشاغب فورا من عضوية المسخ البرلماني . حيث حصرت وليامز مهمة الناطق الرسمي باسم برلمانها على اشخاص اجانب فقط ، وهم اما رئيس انسميل نفسه ، واما موظفي مكتبها الاعلامي ، واما مساعد من مساعديها بحال اذنت له بذلك.
ولم تقف غرابة مسخ ستيفاني عند هذا الحد ، بل ان الهيئه التنظيميه لضبط وتسيير جلسات هذا المسخ ، او من ينظمون توزيع الكلمات على الاعضاء اثناء جلساته ، ويحددون الوجوه السعيده بالتعليق ووقت المداخلات ويستخدمون تقنيات المقاطعه الخبيثه عند خروج العضو عن "اداب احترام المستعمر" ، لم يكونوا ليبيين ايضا ، بل كانوا من الاجانب الخالصين ابا عن جد .
بل ولنزيدكم من هذه القصائد المسخيه ابياتا اشد اهانة ، فان وليامز هى التى تدارست (والله اعلم مع من ؟) ملفات المترشحين لانتخابات جنيف ، بينما لم يتمتع احدا من اعضاء المسخ من الليبيين ، لا في صورة فرد ولا في صورة لجنة (ولو لجنة قطع ملام) ولو بقراءة الفاتحه على ملف واحد منها ، بل لعلهم قد تفاجؤا مثلنا تماما باسماء من تفضلت عليهم وليامز بقبولهم بجنات مسخها . بل ولقد كانت هى وحدها (ومن وراءها طبعا) من قرروا ان يكون كل المرشحين لرئاسة الحكومه من مصراته ، باستثناء واحد (وُضع للتضليل خاصه وانهم يعلمون ان وجوده كان كقلته) ، بينما قرروا ايضا ان يكون كل المرشحين لرئاسة المجلس الرئاسي من شرق البلاد ، كما ان وليامز شخصيا هى من كانت وراء تحديد مصائر كل الملفات التى تم رفض اصحابها وانتهت طلباتهم الى سلة المهملاتها ، وذلك دون ان يعلم احدا من الليبيين لا من كانوا ولا لماذا رفضوا؟
ولانه ياما في الجراب يا حاوي ، دعوني ازيدكم من ابيات الهجاء المهينه ابياتا اشد وجعا ، وهى ان وليامز ومن وراءها قد قرروا ايضا بان لا تقتصر الادارة الاجنبيه على جلسات برلمان وليامز التشاورية فحسب ، بل ولقد فُرِضت هذه الادارة الاجنبية ايضا على جلسات مناقشة مرشحي جنيف الذين اختارتهم لحكم البلاد وذلك اثناء عقد جلسات عرضهم لبرامجهم واستطلاع "نواياهم " ، وهو ما جرى على مراى من الليبيين و العالم ، وذلك كما لو ان هؤلاء الاجانب هم الاخلص لليبيا ، وهم الاكثر علما بخلفيات المرشحين ، وهم المعنيون اكثر من الليبيين بتقييم برامج و اولويات الشعب بمشاريع المرشحين ؟
وعليه فان هذا المسخ البرلماني الستيفاني الذى قام عليه كل الحطام السياسي المروع الذى خلفته وليامز فينا و(الذى سيبتلينا الحاج باتيلي باحياءه فينا من جديد) ، لا يرقي من الناحيتين الوطنيه و السياديه ولا حتى الى مستوى شركه اجنبيه ليبيه مشتركه والتى هى اشرف منه فعلا ، وذلك باعتبار ان كل الشراكات الاجنبيه التجاريه التى ابرمتها الدوله الليبيه ليكون مجالها التراب الليبي قد عُقدت دائما تحت شرط علو حصة الشريك الليبي ، ما جعل الجانب الليبي هو الممسك دائما بدفة القيادة . واما هذا العار التشاركي الغير مسبوق بتاريخ العالم السياسي والذى صنعته مخالب انجلوسكسونيه بتشييد مؤسسه سياسيه ليبيه اجنبيه مشتركه ، فلسوف يتوارثه ما لايقل عن 1000 جيل منا ، خاصه مع حقيقة ان الاعضاء الليبيين "بشراكة القهره" هذه ، لم يكونوا سوى حشوة مهمشه مكونه من 75 مخلوق ومخلوقه . وهكذا .. فانه يصبح اخر ما يمكن لاى ليبي او حتى (براني) تصديقه ، ومهما كان احمقا ، هو هرطقات وليامز ومن يقف ورائها بان الحل سيكون ليبي ليبي !!، و ان الاطراف الاجنبيه لا تقوم باكثر من تقديم الخبره والمساعده الناعمه!! ؟؟
كما ان وليامز لم تقف عند حد تخليق مسخها هذا ، بل انها ما ان اكملت عدد "سِباعِه وسبعاته" و حل موعد تشغيل وظيفة المسخ المركزيه وهى استبدال ورقة الكلينيكس التى تمخطوا فيها حتى اضحت هى القذارة نفسها بواحدة اخرى تلائم دفق افرازاتهم الجديد ، حتى شحنت وليامز مسخها الى جنيف ، وهو المكان الذى تقرر ان يتم فيه استبدال ورقه الكلينيكس المنتهيه التى كانت تنتظر نهايتها بطريق السكه باخرى جاهزه للحلول محلها ، وهناك بين جنبات جنيف ، المدينه التى تجلس على هرم اعلى معايير الحوكمه والشفافيه في العالم ، تم تلويث سمعة تلك المدينه وتاريخها باغراق برلمان وليامز العرفي بظلمات فوقها ظلمات من الرشا وشراء الذمم وتزييف الارادات . وما ان انتهت وليامز فعلا من صناعة فوطة المخاط الجديده ، وان جاءت هذه المرة من قطعتين هما رئيس دوله ثلاثي الرؤوس ، ورئيس حكومه فريد من نوعه ، وانتهت من الاشراف على اتمام تشكيل حكومة رئيس وزرائها الجديد ، حتى غادرت وليامز و جيء بكوبيش ليخلفها بتنفيذ العملية الانتخابيه.
بيد انه وفي لحظة من لحظات القدر الليبي الراهن الرهيب ، الذى تصنعه مخالب المحتلون الامبرياليون الطغاة ، تلقت وليامز امرا مفاجيء وصارم - بينما كان الليبيين بقلب تفاعل عمليات الاستعداد لاجراء الانتخابات - بضرورة عودتها الى ليبيا على طريقة الهجره غير الشرعيه ، للقيام بتخريب وتقويض الانتخابات من اساسها ، واعادة توريط البلاد بالتوازي الحكومي الذى كانت قد ورثت البلاد وهى عليه ، والذى مثل حلقه اخرى من التاريخ الستيفاني المشين الذى كنا قد قدمناه تفصيلا بالجزء الثاني من هذه الدراسه.
وللحديث بقيه ،،
للاطلاع على الأجزاء الثلاثة الأولى .. عبر الرابط أدناه: