مصطفى حفيظ
لماذا لا يكشف إخوان الجزائر عن وجههم الحقيقي ويتوقفوا عن التصرّف كسياسيين متحضرّين؟ أليست تهنئة رئيس حركة حمس عبد الرزاق مقري لحركة طالبان بانتصارها على الجيش الافغاني والقوات الأجنبية يعدّ دعما للفكر الجهادي بنحو ما؟ أو ليس الفكر الجهادي هو منهج جبهة الإنقاذ المحلة (الفيس) التي اختارت المواجهة المسلحة مع السلطة في الجزائر في سنوات التسعينات؟ وهو نفس الفكر الذي تنتهجه حركة طالبان التي كانت متحالفة مع تنظيم القاعدة؟ فلماذا إذن يعلن مقري مساندته لطالبان؟
ما الذي يجعل رئيس حزب معتمد في الجزائر ويشارك في الحياة السياسية بشكل رسمي وله نواب في المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) يسارع لمباركة ما أسماه نصرا لحركة طالبان على القوات الأجنبية (الأمريكية)؟ إنّ في موقف مقري أكثر من سؤال، هل نسيّ من تكون طالبان التي حكمت أفغانستان بين 1996 و2001؟
لعله يدرك يذلك جيّدا، فالفكر الاخواني والجهادي واحد وإن أخفته الحركات الاخوانية التي تشارك في الحياة السياسية المغاربية بشكل أو بآخر، لأن هدفها النهائي هو الحكم وتطبيق الشريعة الإسلامية، ربما المنهج مختلف عن طالبان، أو ربما ذلك هو الوجه الحقيقي الذي تخفيه هذه الحركات التي تسعى للتموقع سياسيا ثم البحث عن التمكين والتغلغل إلى غاية الوصول للحكم، ومعروف في فكر الجماعة الاخوانية الأم – التي أسسها حسن البنّا – بأنّ الحلم بالوصول للحكومة حلم مشروع في فكر الجماعة، وهو ما تسعى لأن تدركه هذه الجماعات السياسية ذات التوجّه الاخواني، سواء أظهرت نواياها الحقيقية، أو اختبأت وراء ذلك الوجه المتحضر بربطة العنق والبذلة الأنيقة التي تظهر الإسلام السياسي بمظهر المعتدل، مثلما يظهر راشد الغنوشي مثلا، برغم الأهداف الخفية للحركة وهي الوصول للحكم وتطبيق الشريعة الإسلامية، بينما تدعي هذه الحركات اعتناقها للديموقراطية، برغم استحالة البقاء على تلك الحال عند سيطرتها على الحكم، فقد رأينا في الجزائر عندما وصل الحزب المحظور: ( الجبهة الإسلامية للإنقاذ - الفيس) في تسعينيات القرن الماضي – سنة 1990-1991 عندما فاز في الانتخابات المحلية، ثم فاز في الدور الأول للانتخابات البرلمانية قبل أن يقلب عليه النظام الجزائري الطاولة ويوقف المسار الانتخابي، لعل هناك الآن وربما في ذلك الوقت، من ينتقد السلطة السياسية في الجزائر في تلك المرحلة لأنها فعلت ما فعلته بهؤلاء، ومن مجمل الانتقادات أنهم قالوا إنّه اعتداء على الديموقراطية، تماما مثلما انتقدت السلطة في تونس منذ شهر عندما جمّدت البرلمان واقالت الحكومة واتهمت حركة النهضة بالفساد، في الجزائر، كان الوضع مختلفا، فقد كان الفيس يتمادى ويتباهى بقوّته في وصوله للدور الأول في البرلمانيات، لدرجة أنّ أحد قياداته كان يخطب في جمع غفير ويقول : "إنّ الديموقراطية كفر" ولا يوجد سوى كتاب الله وسنّته، كان يدعى الخميني، ووصل به الأمر أن هدد بذبح عسكري كبير آنذاك في فراشه وأمام زوجته، وهذا طبعا حسب فيديو ما يزال موجودا حتى اليوم، وليس ذلك فقط، بل حتى الرجل الثاني في الحزب علي بلحاج كان قد صرّح بذلك مرارا، حيث قال "الديموقراطية كفر واذا وصلنا للحكم سنلغيها .."، إذن هذه هي حقيقة الإسلام السياسي سواء ذلك الذي يستند للفكر الجهادي كالفيس، أو الاخواني كحركة حمس على سبيل المثال، وهي وإن أضمرت نواياها منذ التأسيس حتى اليوم، فهي تهدف للوصول إلى الحكم حتى لو اختلفت في المنهج مع الفيس، فكلاهما كان هدفه ولا يزال تطبيق الشريعة الإسلامية، فهل مثلا كانت حمس لتحترم الديموقراطية إن وصلت للحكم وهي التي تسير في فلك الاخوان المسلمين الذين ينتهجون فكر المؤسس الأول حسن البنّا؟ أوليس هذا الأخير في تنظيره للجماعة هو الذي يقول إنّ بوصول الاخوان للحكم سينفذّون أوامر الله، أو مثلما ورد في إحدى خطبه الموثّقة حيث يقول: "... على سبيل هذا فالإخوان لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله." إذن واضح من هذا أنّه سواء أكانت حركة حمس أعلنت ذلك أو كتمته، فهي تسير على هذا المنهاج، وربما هي أو كل الحركات الاخوانية في الجزائر، أو في بلدان المغرب قاطبة، كلها تسعى للحكم لكن ببطء، أو تنتهج الفكر الاخواني المبني على "خطة التمكين" التي وضعها مصطفى مشهور، مرشد الاخوان بين (1996-2002)، ورسم فيها وسائل الجماعة للوصول للحكم. ومنه.
فهل كان موقف زعيم حركة حمس، الحزب الإسلامي ذو التوجّه الاخواني في الجزائر موقفا يمثّل حركته السياسية المتواجدة في البرلمان وتشارك في الحياة السياسية كأقوى حزب معارض؟ أم يمثّله هو فقط كأمين عام لمنتدى كوالالمبور للفكر والحضارة، والحقيقة، إنّه لا مجال للشكّ في أنّه كان يتحدث من كونه رئيسا لحركة حمس، فسواء صرّح بذلك أم لا، فهو زعيم الحزب ولا كلام فوق كلامه، ومعروف عن الأحزاب الاخوانية مواقف مثل هذه، لذلك فمقري وصف سيطرة حركة طالبان التي كانت متحالفة سابقا مع (القاعدة) في أفغانستان، ونفّذّت عمليات اعدام في حقّ معارضيها المتحالفين مع الجيش الأفغاني، أو حتى تلك الزيجات القسرية التي فرضتها على المرأة الأفغانية، وصفها بـ "الانتصار العظيم" الذي حققه الشعب الأفغاني بإنهاء الاحتلال الأجنبي، لكن هل تساءل مقري لماذا كان نصف الشعب الافغاني يفرّ هربا من طالبان؟ الأكيد أنّ الأفغان وحدهم يعرفون حجم خطورة رجال هذه الحركة ذات الفكر الجهادي، حتى إنها قد بدأت فعلا بالمطاردة في صفوف من وصفته بالخونة ومساندي النظام السابق.
إذن، ما الذي حمل مقري الاخواني على التهليل لنصر هذه الحركة الجهادية التي تسعى لتطبيق الشريعة وفقا لمنهجها الجهادي؟ هل يدعم مقري هذا الفكر؟ أم هو نفسه الفكر الاخواني، والاختلاف الوحيد في المنهج فقط؟ وللعلم فإنّ الجزائر لم يصدر عنها موقفا بخصوص سيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية، في حين، تحدث رئيس حمس دون أن يولي اعتبار لموقف بلاده إزاء فوز حركة جهادية مرتبطة بنحو ما بالحركات الجهادية خارج أفغانستان وداخلها، وقد تصبح ملاذا للجماعات المتطرفة، فهل يعني هذا أنّ الاعتدال الذي تدّعيه حمس والأحزاب التي تنتهج نفس منهجها هو مجرّد أكذوبة؟