الجزء الثاني

(كعكة واشنطن المجانية .. التي اسالت لعاب بوتن) 


رغم وجود حلقة من هذه السلسلة ٬ احق  بالسبق إلى هذا النشر من هذا الجزء الذي تطالعونه الآن ٬ بسبب صلته الأقوى بالموضوع الرئيس لهذه المقالة ٬ وهو موضوع اغلاق واشنطن لمعبر راس جدير ٬ الا انه وبحكم وعدي لكم  بأولى حلقات هذه السلسلة ٬ بتسليط الضوء على معنى ومظاهر ما وصفناه بنهج واشنطن الاستراتيجي البارد والمستتر بغزوها السياسي والعسكري لليبيا ٬ والذي بدأ من تاريخ اسقاطها للبلاد بالعام 2011 واستمر حتى لحظة اكتشاف واشنطن ٬ وهو ما وقع قبل أسابيع فقط ٬ لأثر رفسة روسية بين فخذيها ٬ والتي يبدو ان واشنطن لم تشعر بشدتها الا عقب انكشاف امر نجاح العملية المافيوزية الروسية ٬ التي قامت على انتهاز موسكو لفرصة توريط واشنطن لليبيين بتقطيع اوصال بنكهم المركزي ٬ لتقوم ٬ و بوقت رأته مناسب ٬ بطباعة اموال ليبية لصالح فيلقها في البلاد ٬ والتي حقق من ورائها هذا الأخير ٬ مكاسب مالية ولوجستية كبيرة ٬ ما أصاب واشنطن بحالة حقيقية من جنون البقر الشديد ٬ والذي دفعها تحت تأثير استجابة عصبية لا تليق بدولة نووية ٬ إلى قلب استراتيجيتها الاستعمارية السابقة في ليبيا رأسا على عقب .

كما انني اضطُررت أيضا إلي تسبيق هذه الحلقة ٬ بسبب ارتباطها بترتب التزامين على وعدي السابق لكم ٬ أولهما هو واجب اطلاعكم علي المظاهر العينية لاحتلال واشنطن السياسي والعسكري لليبيا ٬ والذي وقع قبل سنوات من الغزو الروسي لبلادنا. واما ثاني هذين الالتزامين ٬ فهو حقكم بمعرفة كيف ان السياسات الامريكية المُنفذة في ليبيا من ساعة اسقاطها للدولة الليبية بالعام 2011 وحتي تاريخ اكتشافها للرفسة الروسية ٬ كانت ودونما منافس ٬ هي المحرك الرئيس بتشريع الابواب الليبية على مصاريعها امام كل انماط العنف والفوضى ٬ والفساد الرجيم ٬ والانقسام النخبوي ٬ والتشظي الأهلي ٬ والاحتلالات الأجنبية ٬ وبما فيها الاحتلال الروسي نفسه. بل وسنبين لكم أيضا ٬ كيف ان هذه الواشنطن هي التي تقف شامخة!! وراء كل اشكال واحجام وألوان التدخلات الأجنبية التي باتت البلاد اليوم تئن وتنوء تحت اثقال صخورها الصماء.

ولعل ما يؤكد دور شدة الرفسة الروسية ٬ التي سمّاها ديبلوماسي آسيوي يعمل بسفارة بلاده في ليبيا  (بصفعة الـ 50 دينار البوتينية) ٬ والتي باتت توصف بسخرية بأوساط البعثة الأممية في ليبيا - بحسب احدهم – بنعث (رفسة المويا  تاى الروسية) ٬ هو ان واشنطن لم تلجأ منذ اسقاطها لليبيا بالعام 2011 الي قلب نهج اجتياحها السياسي و العسكري راسا على عقب ٬ بل وبسرعة عصبية قصوى ٬ كما تفعل اليوم. بل انها لم تفعل هذا ٬ ولا حتى عند انطلاق زحف أولى مفارز مرتزقة الفاغنر نحو  ليبيا ٬ والتي وصلت طلائعها الأولى إلى شرق البلاد خلال الفترة الممتدة بين  نهاية العام 2019 وبداية العام  2020 ٬ وذلك على الرغم من شدة خطورة الزحف العسكري الروسي على مشروع واشنطن الاستعماري للاستحواذ على ليبيا مقارنة بصفعة الـ 50 دينار البوتينية. بل ان الغزو الروسي عيناً هو ما باتت واشنطن اليوم تعاني منه الامرين ليس بليبيا فقط ٬ بل وفي البلدان الافريقية التي خسرتها واشنطن لحساب موسكو ومن خلفها بكين ٬ بل وكذلك بدول افريقية اخرى بدأت موسكو بالتحرك ببعضها ٬ وتنبأت صحيفة النيويورك تايمز بخسارة واشنطن قريبا جدا لها لحساب الروس والصينيين ايضا. بل ان الصدمة نفسها التي تعرضت لها واشنطن اثر دفن موسكو المباغت لادارة بايدن  (حكومة وجيشا ومخابرات) ٬ تحت جبال من رزم أوراق الـ 50 دينار الليبية ٬ الروسية المنشأ ٬ ما كانت لتقع اصلا ٬ لولا سماح واشنطن لموسكو بإتمام اجتياحها العسكري لشرق البلاد ووسطها بالعام 2019  ٬ وهو الاجتياح الذي تغاضى عنه البيت الأبيض وسط دهشة حلفائه وهم يرونه وهو يتعاطى معه ٬ كما لو كان مرتزقة الفاغنر فوجا سياحيا روسيا جاء إلى ليبيا لمشاهدة اسماك التونة وهي تعبر خليج سرت. ولعل هذا يقودنا إلى  استدراك بالغ الخطورة ٬ لا مفر من التوقف عنده  قبل ان نواصل الإبحار بمقالنا ٬ وهو ان تعاطي ترمب البارد بالأمس مع ذلك الاجتياح الروسي لليبيا ٬ مقارنة مع ردة فعل بايدن العنيفة جدا اليوم تجاه الرفسة الروسية الأقل خطورة بكل المقاييس من الاجتياح الروسي نفسه ٬ انما يلقي بظلال شك مروعة (بالنسبة لصناع السياسة الامريكية طبعا) حول حقيقة مستوى تطور العلاقة الشخصية بين ترمب وبوتن ٬ وهي الاتهامات التي سبق وان قامت جهات سياسية أمريكية بتوجيهها إلى ترمب فعلا ٬ بل وحد اتهامه بالاستعانة ببوتن او بالقوات السيبرانية الروسية لتزوير انتخابات فوزه على هيلاري كلينتون . فهل كانت واشنطن ممثلة بترمب هي التي تقف فعلا وراء اجتياح فاغنر للبلاد!؟

ولقد اشرنا أعلاه إلى وجوب توقفنا عند هذه النقطة ٬ لان هذا السؤال الأخير الذي وُلًّد منها ٬ لابد وان يأخذنا بدوره إلى سؤال آخر وهو : هل تحولت ليبيا فعلا (بحال صح هذا التواطؤ المروع) إلى مجرد (شخشيخة) على راي المصريين ٬ بين ايدي اسافل قادة العالم !؟ 

لقد  ظهر واضحا جدا للمراقبين لتقلب المزاج الدولي الحاد جدا في ليبيا ٬ بان واشنطن لم  تقرر الانقلاب على نهج غزوها السياسي والعسكري شبه السري للبلاد ٬ باتخاذها  لقرار انتقال احتلالها لليبيا من النهج المستتر إلى النهج التصعيدي الفج ٬ الا فور تلقيها للصفعة الروسية ٬ وهي الضربة التي ردت عليها واشنطن فورا و عمليا ٬ بتكليف وزارة دفاعها لشركة امنتيوم الامريكية العسكرية الخاصة ٬ بتوجيه مرتزقتها فورا نحو اجتياح كل المنشآت العسكرية الاستراتيجية بغرب البلاد ٬ وذلك في اطار ما اعتبرته واشنطن الحاجة الاستراتيجية الملحة للتصدي والرد العاجلين ٬ على الاستقواء الروسي في ليبيا عقب حيازة موسكو لمئات الملايين من الدولارات والدينارات الليبية في غفلة منها  ٬ وهو ما عدته واشنطن تحرشا روسيا صارخا ووقح ٬ ضد نفوذها الطاغي على البنك المركزي الليبي ٬ وهو ما لا يمكنها تمريره ابدا دون استعداد حقيقي لمواجهة ما ينطوي عليه هذا الاستقواء المباغت لها ٬ من عواقب ظهور تهديدات روسية جديدة ٬ خاصة في ظل  تحالف موسكو الاستراتيجي مع جنرال يتعطش بشدة لتكسير جماجم منافسيه من امراء حرب غرب البلاد ٬ واما اخطر هذه العواقب التي تخشاها واشنطن فهي ارتفاع احتمال محاولة موسكو التمدد نحو مساحات جديدة بغرب البلاد ٬ او محاولة التوغل بأماكن اكثر حساسية اسفل بنطال واشنطن في ليبيا ٬ على حد تعبير احدى الصحف الإيطالية .

وهنا نكون قد بلغنا رحاب السؤال: لماذا شاءت واشنطن تبني سلوكا مستترا بغزوها السياسي والعسكري لإرادة الليبيين وترابهم !؟ وكيف استطاعت إخفاء اجتياحها لليبيا او لنقل ادغامه لسنوات طويلة !؟ واما الشق الثالث والأخير من هذا السؤال فهو: ترى ما هي (مظاهر) انتهاج واشنطن لنهج صامت او مستتر باجتياحها السياسي والعسكري للبلاد ٬ والذي امتد كما اسلفنا، من عام اوديستها الملعون ٬ وحتى اللحظة التي فاجأها فيها وجود بقعة متورمة لاثر رفسة مويا تاي روسية على جلدها!؟ 

لقد راهنت واشنطن ومنذ اولى ساعات غزوها لليبيا ٬ على تنفيذ اجتياحا سياسيا ناعما لارادة الليبيين ٬ واما الاخطر فهو اختيارها لنهج ارتكاب غزوا عسكريا مُدغما لارض ليبيا ٬ باستخدام قوى مسلحة غير أمريكية ٬ وعبر تسييد كيانات اجنبية عسكرية وشبه عسكرية على الليبيين ٬ واخطرها كياني (ايريني ويوبام) الذين لا يمكن اعتبارهما رغم اوروبيتهما الصورية ٬ اكثر من جاريتين لا يحلو لهما النوم الا باحضان واشنطن . ولعله من الطبيعي جدا ان يرتفع هنا الصوت البراغماتي عاليا باعماق واشنطن ليقول لها : لما تخاطرين يا واشنطن فعلا لاجل احتلالك لليبيا ٬ بإطلاق ولو رصاصة واحدة قد تشعل الأرض جحيما جهاديا من تحت قدميك ٬ ولو على ايدي غير أصحاب الارض !؟ ولما تغامرين فعلا بخسارة (امتياز احتلال مجاني) لوطن يمتد مستسلما تحت نعليك كما لو كان زرعا ناعما لا حول له ولا قوة ٬ في حين يلقى اجتياحك واحتلالك للبلاد كل الترحيب بل وكل التواطؤ من كل صنائعك من قادة الشعب ٬ صاحب الأرض نفسه !؟

ولما تقاتلين او تطاردين يا واشنطن ولو (جروا صغيرا ضالا) لتنفيذ اجتياحك و احتلالك للبلاد ٬ وانت التي امسكت وبوقت مبكر جدا من اسقاطك للدولة الليبية بتفاصيل كل الظروف الفوضوية او الثورية (حيث لا فرق) وصنعتِ منها لنفسك افضل الخمائل المناسبة جدا لتحقيق كل مراميك الاستعمارية في ليبيا ٬ وليس بصورة مجانية لا كلفة فيها فحسب، بل وبتنفيذ احتلالك وانت تتلقين قبلات (الثوار!) فوق جبينك بينما تحاصرك من كل جانب صيحات تعبيرهم عن شكرهم وامتنانهم لوجودك بينهم ٬ ودون ان يهمهم ابدا شكل هذا الوجود ٬ وعلي أي نحو كان !؟

بل ولقد وصل سلام و بركات ومجانية اجتياحك هذا يا واشنطن ٬ إلى درجة ان لا احدا من أبناء المغدورة ليبيا  قد انتبه بعد الي حقيقة سطوة سياساتك الاستعمارية ٬ المتربعة فوق ارضهم ورؤوسهم وشرفهم وثرواتهم ٬ بل ولقد بلغت شدة حلاوة و اغراء احتلالك المجاني لليبيا حد اسالته للعاب الدب الروسي عاشق العسل ٬ ليحذو حذوك بنيل نصيبه من الكعكة التي قمت باختطافها من يد يتيم ٬ بعد ان قدرتي بانه لا يستحقها . بل ولعل المضحك المبكي حد القهر ٬ برومانسية اجواء احتلالك لليبيا، هو وجود اعتقاد نخبوي ليبي ينتشر بين اشخاصا ليسوا بقليلي العدد ٬ يرون بانك يا واشنطن لست بريئة فحسب من الرعب الذي يعصف ببلادهم ٬ بل ويقسمون على انك تكاد تكونين مقاطعة للشأن الليبي و زاهدة  فيه !!

واما ما يبعث في الصدر (بغدد) يدفع إلى الانتحار فعلا ٬ فهو زغللة عيون هؤلاء استبشارا وفرحا ٬ كلما القت لهم مخابراتك عظما من عظام وعودكم (الفالصو) ٬ بقرب تدخلكم لانهاء المحنة الليبية ٬ اي تماما ٬ كما تفعلين اليوم يا واشنطن ٬ بارسال ابنتك المخلصة ستيفاني الثانية ٬ لترتع بين القري والنجوع ٬ وتوزع بين أهلها الغافلون ٬ المزيد والمزيد من الأوهام ٬ ووعود ابليس للناس!؟

بيد ان  منهج واشنطن البالغ اللؤم هذا لم يأتي من فراغ ٬ بل جاء انتفاعا من تراكم خبرات النخبة الامبريالية الامريكية الكبير ٬ والمخضب بالفشل والهزائم والخسائر المستدامة ٬ وخاصة لجهة إراقة دماء جنودها وعارهم الذي سطروه بكل من أفغانستان والعراق ٬ وهو ذلك السجل الذي خُتم بهروب هذا الجيش (المصنف الأعظم في العالم) من أفغانستان هروبا مخجلا ومهينا ٬ وعلى مرأى ومسمع من العالم ٬ بل والذي جاء ليكون  أقرب ا إلى صورة هروب عصابة من لصوص ماشية تفر من امام قرويين ضطبوهم وهم يحاولون سرقة خرافا من احدي الزرائب ٬ منها إلى صورة انسحاب اعظم جيش في العالم. 

هذا ٬ ولقد كانت اولى الدروس التي تعلمتها واشنطن من تجربتيها بافغانستان والعراق ٬ هو درس حاجتها الضرورية ٬ وقبل اقدامها على اي غزو عسكري جديد ٬ إلى تدبير خطة خداع مناسبة للشعب الأمريكي المرعوب حتى النخاع ٬ من فكرة عودة نخبته الامبريالية لتوريط ابناءه بقتال نموذج جديد لدولة مسلمة. لقد بات قطيع واشنطن الامبريالي يدرك يقينا ٬ بشبه استحالة اقناع الشعب الأمريكي بجدوي توريط ابناءه من العسكريين مرة أخرى بمستنقع دموي جديد يعود منه الابناء ٬ وهم يجرون خلفهم التوابيت والمعاقين و اذيال الهزيمة والفشل والعار .

واما ثاني هذه الدروس والذي يرتبط بالحالة الليبية نصا ٬ فهو درس حاجة واشنطن للمراعاة الخبيثة لطبيعة الوصاية الاجنبية الأممية الجارية على ليبيا ٬ والتي تفيد ( ولو نظريا) ٬ بانها وصاية ناشئة عن حالة اسقاط اممي وليس امريكي للدولة الليبية ٬ و حد تفرق عار مسؤولية اغراق دولة الليبيين بالعنف والفوضى والفساد بين كافة أعضاء مجلس الامن ٬ وخاصة الدائمون الخمسة منهم . والى حد تفرق إراقة دماء الليبيين وتفكيك دولتهم وتحويلها الي كيان دولة فاشلة ٬ بين اكثر من 40 دولة كان علي راسها تنظيم النيتو المسلح ٬ وذلك لتجنب معارضة دولية شديدة سبق لواشنطن وان واجهتها بشدة عند اجتياحها لأفغانستان و العراق ٬ إلى جانب ما واجهته من غضب عالمي شديد ضد كل انتهاكاتها الجسيمة ضد الشعبين الافغاني والعراقي . 

 واما ثالث الدروس واهمها ٬ والأكيد أخطرها ٬ فهو حاجة واشنطن الاستراتيجية لانتهاج منهج التستر الكامل بهيمنتها السياسية والعسكرية على ليبيا ٬ لكون غزوا فجا واحتلالا  مفضوحا للبلاد ٬ لابد وان يكشف لليبيين حقيقة حكاية المدنيين الذين جاءت واشنطن وحلفاءها لانقاذهم من القذافي  بالعام 2011 ٬ إلى جانب مخاطرتها بمزيد التعري والانكشاف المعزز (وللمره الثالثة) لحقيقة الديمقراطية المعلبة بحشوات الصواريخ ٬ التي تدنست قلوب وبطون وابدان الليبيين ٬ بل وحتي ترابهم الوطني ٬ من شدة ما جرعتهم واشنطن من وحدات هذه العلب الغائطية ٬ والتي سبق وان خلفت منها واشنطن وراءها بكلا من افغانستان والعراق ٬ جبالا من غائط  ديمقراطية البنتاغون ٬ التي مايزال دنسها و روائحها وجراثيمها و حشراتها وامراضها تفسد حياة هذين الشعبين . 

واما رابع هذه الأسباب ٬ فهو يقين واشنطن بان تورطها باتخاذ خطوة استعمارية ظاهرة ومستفزة ٬ او منفلتة وغير محسوبة في ليبيا ٬  لابد وان تحدث استنفارا كبيرا بين كافة الجماعات الجهادية المتطرفة في المنطقة وما اكثرها ٬ واذا ما اخذنا في الحسبان حقيقة بحث هذه الكيانات الضارية بتضور عن الدماء واللحوم البشرية الامريكية ٬ التي لا يوجد لديها ما هو اطيب منها  مذاقا ٬ نكون قد ادركنا فعلا واحدا من اهم أسباب مراهنة  واشنطن بمرحلة ما قبل تلقيها للرفسة الروسية ٬ على ادغام و خلط ثياب هيمنتها السياسية والاقتصادية ٬ واحتلالها العسكري لليبيا ٬  بثياب بعثة الأمم المتحدة ٬ والذراع الأمريكي المخابراتي الأخطر المسمى بوكالة التنمية الامريكية ٬ وصندوق النقد والبنك الدوليين ٬ والقبعات الزرق الذين يختبئون بدورهم اسفل ثياب غير ثيابهم ٬ ومرتزقة تركيا ٬ وجنود تركيا وإيطاليا الرسميين ٬ وكلا من مافيتى ايريني  ويوبام الاوروبيتين ٬ ومنظمات رعاية وتنمية الهجرة غير الشرعية ٬ والمئات من مكاتب المخابرات الامريكية النوعية (اللابدة) في البلاد تحت أسماء ما انزل الله من سلطان لمنظمات غير حكومية .

وعليه فانه تعبيرا او انعكاسا ٬ لاستفادة واشنطن من كل هذه الدروس ٬ فإنها لم تجد في التعاطي مع الحالة الليبية ما هو أروع لها و اكثر امانا ٬ او قل خداعا للشعب الأمريكي والعالم والليبيين ٬ من اتباعها لنهج الهيمنة السياسية المتوارية ٬ والاحتلال العسكري المدغم بمسلحين وجهات عسكرية وشبه عسكرية ليسوا منها  ظاهريا .

واما لماذا راهنت واشنطن على هذه السياسة الخفية ٬ فلانها ارادت وبقوة منع الشعب الأمريكي أولا ٬ واغلبية الليبيين ثانيا (وهو الأهم) ٬ وباي شكل من الاشكال (وهو ما نجحت فيه وبقوة لبالغ الأسف والحسرة) من الانتباه لغزوها السياسي لارادتهم الوطنية ٬ وغزوها واحتلالها العسكري لتراب بلادهم  ٬ حتي يمكنها التمتع وهي بامان كامل ٬ بالحصادات الوفيرة لاحتلالها المجاني ٬ وهو ما تحقق لها فعلا اليوم ٬ ببسط هيمنتها الكاملة والمطلقة على القرار  السياسي والاقتصادي والاحفوري والنقدي والعسكري بالبلاد .

وكان يمكن لهذا الوضع ان يستمر لبضعة سنوات أخرى ٬ وهو ما كانت تتمناه واشنطن فعلا وتعمل عليه بالتخطيط  لاستدامة حالة الدولة الليبية الفاشلة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا  ٬ وذلك من خلال استعدادها المستنفر لعرقلة وكتم انفاس كل جهد يتجه مخلصا نحو انهاء المحنة الليبية ٬ بيد ان  اكتشافها المفاجىء للبقعة المتورمة التي خلفتها ضربة روسية مباغتة بين فخديها ٬ قد اضطرها وبصورة ملحة إلى إظهار وجهها القبيح في ليبيا دون تردد ٬ والذي كانت أولى اطلالات قبحه هي دفعها  العاجل لمرتزقة امنتيوم للسيطرة على كافة المنشآت العسكرية الاستراتيجية لغرب البلاد ٬ وصدها لابواب معبر راس جدير بوجوه عشرات الالاف من المرضى الليبيين . 

وعليه فان اهم ما حرصت واشنطن كل الحرص على تجنبه كليا بغزوها واحتلالها الصامتين للبلاد ٬ هو خوفها الشديد من ايقاظ غزوها للبلاد لروح عمر المختار في الليبيين ٬ وهي الروح التي تظل مصدر تهديد كبير لغايات واشنطن مهما وصلها من تقارير وكلائها التي تقدم الليبيين للامريكيين ٬على انهم قد اضحوا شعبا تافها وجبانا وميؤسا منه لجهة استعداده للتضحية والموت في سبيل الدفاع عن ارضه. فواشنطن تعلم علم اليقين بان العمل الجهادي انما هو سلوك تضحوي نخبوي وليس شعبي ٬ وانه لطالما كان المجاهدون وعبر كل مراحل التاريخ وأماكن تسطير بطولات الجهاد ٬ مجرد قلة قليلة بين أبناء مجتمعاتهم ٬ بيد انهم قلة شديدة الفاعلية حتى ان بضعة منهم لطالما استطاعوا ان يفعلوا ما لا يستطع ان يفعله نصف شعبهم غير المنظم . فالنخب المناضلة او المجاهدة هي التي حررت شعوبها ٬ وهي التي جاءت باستقلال اوطانها عقب نجاحها (والذي كان دائما حليفها) بطرد المستعمرين والمحتلين منها. 

وعليه فان رعب واشنطن من مواجهتها للاستحقاق الجهادي في ليبيا ٬ ولو علي يد  الجماعات المتطرفة ٬ التي مهما كانت لا تمثل الليبيين ٬ إلا انها لطالما اعتبرت نفسها الوصية بالدفاع عن كل بقاع المسلمين ضد من تصفهم بالكفار وأعداء الله ٬ لابد وانه  قد دفع بواشنطن الي تجريب الاستعانة حتي بالجان والسحرة من اجل اعتقال وعي الليبيين وسط اعتقاد ارعن (مايزال يأسر الكثير منهم لبالغ الأسف والحسرة) ٬ وهو ردهم  لكل  ما يعيشونه من بؤس وقمع وقهر واحتلالات اجنبية ونهب مروع لمقدراتهم ٬ إلى فوضي الثورة الفاشلة ٬ التي يحمّلون انفسهم مسؤولية انهيارها  ٬ وليس إلى زريعة وافراخ واشنطن الذين هيمنت بهم علي البلاد سياسيا وعسكريا حتي النخاع ٬  والذي بدأت الترتيب المبيت له قبل حتى ان تسقط البلاد بين مخالبها ٬ بيد انه ولبالغ الأسف والحسرة لألف مرة ٬ فان هذه الواشنطن لم تحافظ حتى على ابتلاء الليبيين بها وحدها ٬ فهي  لم تهنأ ولم يهدأ لها بال ٬ حتى طورت بلاءها برعونتها واطماعها ونفاقها ٬ إلى إضافة اجتياح عسكري جديد  للبلاد ٬ ولتضع هي والروس الليبيين ٬ امام تهديد مباشر لانفجار حرب كبرى فوق ارضهم ٬ والتي اذا ما قامت لا سمح الله  ٬ فانها لن تبقى ولن تذر !! ...... وان للحديث بقية