للحديث عما حدث في ليبيا في 17 فبراير، دعونا نأخذ الأمور بدون عاطفية وبدون تشنج ونضع الأمور في نصابها الصحيح. لو افترضنا أن ما حدث في ذلك اليوم ، هو ثورة وليس انتفاضة أو هبة شعبية، وتجاوزنا الخوض في تفاصيل المصطلحات وأطلقنا عليها وصف ( ثورة) فإن هذه الثورة التي أطاحت بنظام ديكتاتوري مستبد لم يبق منها الآن إلا أسمها.. لأن الثورة، أي ثورة تعني التغيير، أي إقامة نظام جديد بديلاً عن النظام الذي كان قائما ، ومن البداهة أن يكون النظام الجديد مختلفاً عما سبقه، بمعنى أن يناقض الاستبداد والفساد وحكم الفرد، ويعزز الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويوفر الأمن والأمان للمواطن، بحيث يصبح القانون والنظام هو السقف الذي يستظل به الجميع.

لكن للأسف ما حدث خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ونحن نقترب من نهاية ولاية المؤتمر الانتقالي، أن ليبيا تحولت إلى ( جماهيرية) بدون قذافي ، تحولت إلى بلد لا سلطة فيه ولا قانون، وباتت “الثورة” كابوسا يجثم على صدور الليبيين، حيث الميليشيات والكتائب والدروع المتناحرة والمتنافرة، التي استفادت من الفراغ الأمني بعد سقوط الطاغية ، لتتسيد الساحة، بوجود حكومة ضعيفة متهالكة، ومؤتمر وطني منتخب عاجز.

صارت ليبيا بلا جدران وبلا سقف، وتحولت إلى نموذج للدولة الفاشلة، وموئل للميليشيات المتطرفة التي تفجر وتغتال الشخصيات العامة في وضح النهار..

حدث كل ذلك لان المجتمع الدولي الذي ساعدنا في التخلص من القذافي، تخلى عنا في منتصف الطريق، ولم يتحمل مسؤوليته ، ويأخذ بنا إلى بر الأمان، ويساعدنا في تخطى الصعاب بعد التحرر من الاستبداد.

هناك مأساة فعلية تعيشها ليبيا وأهلها الآن في غياب القانون والنظام والمؤسسات والفوضى التي تجتاحها وكل يوم يمر يحمل في جعبته مشكلة جديدة تزيد من حجم أزمة، المواطن.

وإذا تظهر مبادرة حقيقية لإنقاذ الوضع، مبادرة يكون هدفها لم الشمل وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الشخصية والحزبية والجهوية ، فلنقل على ليبيا السلام.