من نافلة القول ينبغي ان نتحدث عن عنوان مطالعتنا هذه، واسباب صياغتها بهذه الكيفية؟ ليبيا لم تكن فى يوم من الايام مجرد ارض من تراب، خلقت لكي يعبر عليها من اراد، ولكنها تعبير، ورمز عن مكان الزمن، وليست تعبير عن زمن المكان، ليبيا ارض الملوك والالهة والمعابد والمآذن والمساجد، وارض الاباطرة، وارض ميعاد حضارات افريقيا، والأغارقه الهيلينيون، والرومان والقرطاجانيون، والفينيقية العربية، وحضارة قريش ورسالتها الكونية، والهلاليون، والفاطميون، والاشراف. ليبيا حضارة بلاد الشمس، وحضارة التزاوج والتلاقح بين البر وصحاريه، والجبال وسهولها، والبحر وسواحله، انها موطن الشمس والقمر، والنجم والفلق!!  


انها مكان الزمن الذي لم تحدد بوصلته ومنواله بعد !!!، فبلدان الشمس والنيران والصحاري، والكثبان، والنار والبركان دائماً ممسكة بمكانة ومكان زمنها.   فقط ليبيا التي تمتلك مكان رصد الزمن الفائت والحاضر، والزمن الذي لم يأتي بعد. مكان الزمن وزمن المكان تعويذة من "تعويذات العولمة غير الخلاقة" !! بمعنى الامم المميزة تستطيع ان تصنع زمناً لمكانها، ولا تستطيع ان تخلق مكان زمنها، الزمن وحدة واحدة، والامة الخلاقة تقدر وتحترم قدرة عقلها فى تحديد موقعها فى حركة الزمن، ومن ثما تحديد مكان زمنها!!

إذا الامم عبر التاريخ تتباهى بصنع الزمن، وتتباهى بزمنها امام الاخر، وتتباهى بقدرتها على تحديد مكان زمنها فى جدلية الناموس الحياتي!!! الامم تنتصر، والأمم تتعثر ولكنها لا تسقط، والامم تفوز بالجائزة، والامم تتقدم، والامم تسيطر على الاخر، والامم تسود بثقافتها، والامم تقود الضعفاء، والامم تصنع العقول، والامم تُبهر أمكنة المكان بزمنها، وليس بمكانها. الزمن هو الذي يخلق المكان، ويعمل على تخليق عقول الامم نحو تخليق التقدم، وصنع المسافات الزمنية استحقاقاً للتميز.

ليبيا المكان والمكانة والزمان اسطورة من اساطير النار والنيران، والزمن فيها لا ينقطع، والمكان فيها ينكمش بدون انكماش الزمن فيها!! العولمة غير الخلاقة انتجت اسطورة انكماش الزمان والمكان، ولكن ليبيا تبقى خارج حالة انكماش ازمنتها بالرغم من انكماش مكانها !!  

ولليبيا قصة فهي مسمى على ملكة ليبية قديمة، او إله ليبي قديم، وليبيا تعنى فيما تعنى مسمى للقارة الافريقية قديماً، وتعنى كذلك مسمى لقبيلة ليبية قديمة وهي قبيلة الليبو! ومن هنا فأن ترسانة الحضارة التي انتجتها او استقبلتها، او اسهمت فى انتاجها وتخليقها، كلها رموز لمكان الزمن، وقدرته على العبور الزمنى بدون فقدان لهويتها الزمنية !! 

كانت البصمات الليبية القديمة واضحة فى تأسيس اول مكتبة فى التاريخ الإنساني تجمع روائع الابداعات الانسانية المختلفة وهي مكتبة الاسكندرية، كأول مكتبة متخصصة ومرجعية تاريخية فى تاريخ ذاكرة الحضارة الليبية القديمة والمعاصرة والمستقبلية. ولما كانت ليبيا مركز اشعاع ليبي حضري متمدن يشع على ارجاء المعمورة انواره من خلال الفلسفة ونجبائها من العلماء: تحديد محيط الكرة الارضية وليد العقلية الليبية القورينية الفذة، المذاهب الفلسفية الشهيرة والابيقورية منها موطنها ارض قورينا الليبية، تاريخ وصنع الاله، واله الشمس، واله البحر، وكبير الالهة زيوس،   والمعبودات والمعبودين، ليبيا كانت الموطن الأصلي لثقافة الايمان وغرائز التعبد والتدبر فى العوالم السفلى والآخرة، وعوالم الغيب، ونشؤ وارتقاء حضارة الحليب، وحضارة الرعاة، وحضارة استئناس الحيوان موطنها جرمه وصحارى ليبيا، وارض اولى جوائز الاولمبياد عبر تاريخ الالعاب الاولمبية كانت هي  ليبيا.   وحضارة القبائل المنتظمة، والمنظمة تنظيماً بديعاً، وبقوانينها وأعرافها ونظمها المؤسساتية، ومنها قبائل المارماريدى والادرخاميدى والتحنو، والمشواش واالليبو والنسامانيون، وقبائل الجيرمنت، واللوتوفاجيين، والقرطاجنيين، وقبائل التروجلودايت وغيرهم، هم من علموا قبائل الاخر معاني الحضارة واصول الابداع والتفكر والتميز.

وبالتالي لليبيا قصص ومحطات، ومنها ليبيا.... وكيفية الاستثمار فى مستقبلها ؟؟، ومستقبل الامم والشعوب لا يرتبط بالمكان وانما بقدرتها لخلق زمنها !! تمر ليبيا فى هذه الايام بمرحلة غير مسبوقة في تاريخها المجيد. والتي تدخل فى سجل الدول العابرة للقرون، ويكون صانع فعلها تاريخها وذاكرتها الوطنية، تعبُر بمشروعهِا القرون وهي الوحيدة التي تتمتع بهذا التميز، ولكن ينبغي علينا استذكار دروس هذا الوطن الذي يعبرُ القرون بمراحل من الوجع. 

محطة تمضي عليها، فى بقعة جغرافية كانت منسيه اسمها ليبياً سنوات تخصم من عمرها الذي أهدتها للتاريخ، لأنها يعرف ان للتاريخ ليست له نهاية، إلا أن التاريخ يحفظها ويقدمها لمن اراد الاستزادة.

محطة فى جوف التاريخ حُفرت بأيدي نقاش هزتهُ الهزائم والنكبات، سنوات من شعله مضيئة ولكل شعله وقود، وقود من الوفاء والصفاء والنماء ... شعلة والوطن لا تنطفئ.

المحطة الكبرى تمرُ لتُذكر الحاضر والمستقبل بقصة انسان وقصة وطن قيل عنها آنذاك انهما استعمارا وانقلابا وثوره فى موجات متتالية، انها قصة صنع الوطن من العدم، فكيف يُصنع الوطن؟؟ وكيف تصنع الإرادة؟ وكيف يُصنع الاستقلال الحقيقي للأوطان؟؟ وكيف تصنع كرامة المجد والكبرياء؟؟

كان وراء ليبيا ارث جهادي تعبيري عن الرغبة فى التواصل، واستثمار الدماء التي رويت عتبات وجنبات هذا التراب الطاهر، فالمشانق التي نُصبت فى سلوق وميدان الشهداء وبقية مدن النهار، والمعتقلات التي انشئت فى طول الوطن وعرضه، والنفي والاعتقال والقتل والتغريب، واغتصاب الامل من العيون، وكبح ابتسامة الوطن من الافواه، وقهر الارادة، ومسخ الهوية، كانت كلها ذخائر يُستلهم منها الفعل وقوده نحو الثأر، واعادة مسار الكرامة والسيادة لوطن هُدرت اوصاله.

فانطلقت حركة التمرد التاريخي لهذا الوطن لتُعلن ميلاد وطن وارض اسمها ليبيا، بعد ان صنعت أنهر الدماء بذلك قصة وطن من العدم.  وللحديث بقية .... إذا كان للعمر بقية!

 الآراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة