حميد زناز
مع انتفاضة 22 فبراير 2019 عمّ التفاؤل وسط كل الجزائريين وظنّ أغلبهم أن ثورة الابتسامة سترسّخ دولة القانون في بلدهم وسينعمون بحقوقهم السياسية كاملة. تمر ثلاث سنوات كاملة وعلى عكس ما كانوا يأملون ازداد الامر تعقيدا وباتت حالة الحريات تتدهور من سوء الى أسوء حتى أصبح البعض يحن إلى العهد السابق او بالأحرى إلى ما قبل الحراك لأن النظام لم يتغير رغم تغيّر رؤوسه الأساسية.
تشير منظمات حقوقية مستقلة وشخصيات سياسية إلى تزايد قمع الحريات بشكل رهيب مع بداية السنة الجارية وتطالب بالتوقيف الفوري للاعتقالات والملاحقات التي تطال الناشطين السياسيين والنقابيين والصحافيين والمواطنين العاديين. ولم تتردد السلطة القائمة في استعمال كل الطرق من أجل منع الجزائريين من الاحتجاج. لقد منعت حزب الثقافة والديمقراطية من استخدام مقره في أي نشاط سياسي فقط لأنه استضاف مبادرة لإطلاق جبهة شعبية ضد القمع. أما حزب العمال الاشتراكي وحزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي فهما مهددان بالحل ومن المحتمل أن يلتحقا بجمعية تجمع حركة الشباب "راج " التي تم حلها منذ سنة. ويبقى السيد فتحى غراس زعيم حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية التاريخي قابعا في السجن وقد حكم عليه بسنتين سجن نافذة.
وتتفق كل الآراء على أن المادة 87 مكرر المستحدثة من قانون العقوبات قد عززت القمع وسهلت اعتقال المواطنين حتى بسبب منشور الى أن وصل عددهم الى أكثر من 300 معتقل. وأمام هذا الوضع الغريب الذي لم تعرفه الجزائر في مجال حقوق الانسان، دعا الناشط السياسي، كريم طابو، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، للتدخل من أجل وضع حدٍّ لانتهاكات حقوق الإنسان في الجزائر، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. وهي سابقة في الجزائر إذ كان الجزائريون يتجنبون اللجوء الى الخارج مهما بلغت قساوة القمع. وهو ما يعبر عنه كريم طابو كريم طابو المناضل السياسي الناطق الرسمي باسم حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي غير المعتمد والبرلماني والمعتقل السابق في صفحته على الفيسبوك حينما يكتب أن " انعدام وسائل الإنصاف المحلية، واستمرار العنف ضد جميع قوى التغيير، والغلق السياسي والإعلامي، لم يترك لنا خيارًا سوى اللجوء إلى المنظمات الدولية، لفضح السلطة وممارساتها، كما يتعلق الامر أيضا بمخاطبة ضمير المجتمع الدولي عن الانتهاكات الجسيمة والوحشية لحقوق الإنسان في بلدنا". ووصف في رسالته المشهد في الجزائر بـ " القاتم" مشيرا إلى "آلاف المتابعات القضائية، والمئات من معتقلي الرأي الذين يقبعون في السجون في انتظار المحاكمة، واعتقال المدونين والمؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر شائعات عن اعتقالات من قبل أجهزة السلطة لترويع المواطنين مثل المداهمات الليلية المتكررة".
وراح السيد طابو يعلل ذلك الوضع القاتم "باستمرار السلطة في تنظيم انتخابات مزورة وإطلاق وعود كاذبة، المناورة والمكر، وهو ما حوّل الجزائر التي تعتبر واحدة من أجمل بلدان العالم وذات المساحة الشاسعة، الغنية بالموارد الطبيعية و التي تزخر بشباب ديناميكي رائع، إلى بلد البؤس الاجتماعي والركود الاقتصادي والشلل السياسي." ولم يكتف كريم طابو بتوجيه نقده اللاذع للوضع الجزائري الراهن بل طالب من الأمم المتحدة التدخل بدعوى أن الجزائر قد "صادقت ووقعت على جميع المواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الحقوق والحريات لتلميع صورتها في الخارج، لكنها لا تحترمها ولا تطبقها في الداخل". "من واجبكم الشخصي، يخاطب غوتيرش، ومن واجب جميع هيئات الأمم المتحدة العمل عبر القنوات والأدوات الدبلوماسية لإلزام السلطات الجزائرية بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع معتقلي الرأي، ووقف المتابعات القضائية ضد المناضلين والنشطاء السياسيين. والعاملين في الحقل الثقافي والاجتماعي".
أما حزب جبهة القوى الاشتراكية العريق "الأفافاس"، فقد أوضح في بيان أنه يرصد في الآونة الأخيرة تراجعا رهيبا في مجال الحريات الفردية و الجماعية بالبلاد و لجوءا متزايدا و ممنهجا من طرف السطلة الى تجريم العمل السياسي" كما ندد الحزب بشدّة بالحكم القضائي بالسجن النافذ ضد المنسق الوطني لـ"الأمدياس"، عن تهم تتعلق بكتاباته وخطابه السياسي، معتبرًا ذلك تصعيدًا خطيرًا من طرف السلطة.
وحتى منظمة العفو الدولية نشرت على صفحتها في شهر جانفي الماضي تقريرا جاء فيه أن في شهر ديسمبر 2021 وحده علّقت السلطات الجزائرية حزبا سياسيا وهددت حزبين آخرين بالمنع. كما أشار البيان إلى سجن فتحي غراس بسبب تعبيره عن آرائه ضد القمع في البلاد. وجاء في التقرير أن عدد المحتجزين قد وصل الى يوم 25 جانفي الماضي 251 بسبب ممارسة حقهم في التظاهر السلمي وحرية التعبير. و لكن وصل العدد حسب كل الملاحظين الى اكثر من 300 كما رأينا سابقا. و مع ذلك نفى السيد عبد المجيد تبون نفيا قاطعا وجود مساجين رأي في الجزائر فهم في رأيه مساجين يواجهون تهما لا علاقة لها بحرية الرأي كالتشهير والقذف و الدعوة الى التجمّهر وإهانة مؤسسات الدولة الخ.
"لا تزال السلطات الجزائرية عازمة على التشبث بالسلطة بسحق معارضيها من خلال الدوس على حقوقهم في حرية التجمع وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، وحرية التعبير، تقول آمنة القلالي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية ولا يوجد أي مبرر على الإطلاق للملاحقة القضائية للنشطاء السياسيين، وإغلاق الأحزاب السياسية المعارضة."
وعلى عكس كل ما سبق يؤكد مؤشر الديمقراطية الصادر عن شركة الأبحاث والتحاليل البريطانية ايكونوميست انتيليجنس أن ثمة تحسّن في وضع الجزائر إذ انتقلت من خانة "الدول الاستبدادية " الى خانة "النظام الهجين" الذي يجمع بين الاستبداد وقليل من الديمقراطية وذلك بعد استقالة عبد العزيز بوتفليقة. يمكن أن نكتب دون أدني خوف من الخطأ أن معظم الناشطين في الجزائر يرون عكس ذلك تماما بل الكثير من الجزائريين يعتبرون أن زمن عبد العزيز بوتفليقة كان أحسن بكثير في مجال حرية التعبير بل أن الجزائر لم تعرف ما تعيشه اليوم من تضييق سياسي وإعلامي وحقوقي حتى أيام الحزب الواحد.