حميد زناز 

مع بداية الاستقلال كان الكل في الجزائر يأمل أن انتشار التعليم في المدن والقرى والمداشر قد يقضي شيئا فشيئا على الايمان بالشعوذة والخرافات والسحر والتفكير اللاعقلاني بصفة عامة. انتشرت المدارس والاعداديات والثانويات والجامعات ومراكز التكوين في كل ربوع الوطن منذ قرابة الستين سنة، فهل تغيّرت الأحوال وتراجع الفكر الخرافي في الجزائر؟ 

في الحقيقة لا يخلو مجتمع بشري من بعض الاعتقادات أو الأفكار المبنية على تخيّلات غير مرتكزة على أساس عقلي أو منطقي او معرفي. أوهام تترجم في أفعال والفاظ وأعداد يعتقد العامة وبعض الخاصة انها تجلب الحظ أو الشؤم. فالفرنسيون وغيرهم يلمسون الخشب معتقدين أن ذلك قد يجلب خيرا أو يبعد شرا. كما يدمن ملايين الناس عبر العالم على قراءة أبراجهم الفلكية كل صباح. وتلك خرافات لطيفة مستملحة كاعتقادات جداتنا بيد أن هناك في المقابل خرافات مقلقة تحولت الى طريقة تفكير وأسلوب حياة، كالدعاء بدل العمل والراقي بدل الطبيب النفساني... وإن كانت الأولى ظاهرة عادية، فالثانية ظاهرة تحولت الى مشكلة وذلك بتهميشها للعقلانية واستبدالها باللاعقلانية فأصبحت ضارة بل غدت عائقا من عوائق التقدم الأساسية.

في بيان أصدرته يوم 18 يناير الماضي، نفت الاتحادية الجزائرية لكرة القدم الانباء التي ترددت حول الاستعانة براقٍ شرعي لفك السحر المزعوم عن المنتخب الوطني الذي كان سببا في نتائجه المتواضعة في بطولة أمم افريقيا بالكاميرون. وهذا بعد أن انتشرت فكرة السحر ضد المنتخب الوطني وسط جماهير عريضة كما نلاحظ على مواقع التواصل وفي الواقع.   وهذا ليس غريبا عن تفكير الأغلبية إذ شاهدنا في ملعب تشاكر بالبليدة مباشرة على الشاشة كيف دخل شاب الى أرضية الميدان يرش المرمى بماء "مرقي" من طرف راق ليفك السحر الافريقي الذي وضعه فريق بوركينا فاصو ليفوز على الخضر وكان ذلك وسط تصفيق وتشجيع الجمهور الحاضر وامام أعين السلطات السياسية والرياضية

وهو أمر تقليدي في الكرة الجزائرية، ألم يكن للفريق الوطني سنة 2010 راقيا رسميا يرافقه دائما هو المشعوّذ بلحمر والذي ادعى أنه هو الذي استعمل الجن لتسجيل هدف الفوز ضد مصر في ملعب أم درمان والتأهل لنهائيات كأس العالم 2010؟ وما هو محزن وغير محيّر أن نسمع معلق رياضي جزائري يتابعه الملايين على قناة رياضية قطرية معروفة عربيا، يلمّح بعد هزيمة الفريق الوطني أمام غينيا الاستوائية يوم 16 يناير الماضي أن ذلك كان بفعل السحر. أما أحد المحللين الرياضيين فلا يرى مانعا من القول للمشاهدين بأن الرقية فعل شرعي قد يستفيد منه الفريق الوطني! وقد تحوّل أحد الصحفيين من البعثة الجزائرية المرافقة للفريق في الكاميرون إلى راق وراح أمام الكاميرا يرش الماء المرقي على مرمى ملعب جابوما لطرد النحس

ولا يقتصر الأمر على كرة القدم فحسب بل تنهش الخرافات كل مناحي الحياة و من بين الخرافات الهدامة المنتشرة في المجتمع الجزائري: اعتقاد الجزائري بأن دينه وحده الذي يؤسس للأخلاق، رد الزلازل وكل الكوارث الى "تبرّج" النساء، كوفيد19 ابتلاء بسبب الابتعاد عن الله، الايمان بأن الرقية تحمي من الغرق فراح "الحراڨة" يرقون زوارقهم الهشة و يرمون بأنفسهم في البحر، الايمان بأن الجن يسكن الانسان و يتحكم فيه و يتم إخراجه بضرب المسكون أو المسكونة، قتل بعض الحيوانات لكسب الاجر وبدعوى فسقها  ... لمعاينة ظاهرة انتشار الايمان بالشعوذة واجترار الخرافة في الجزائر، يكفي زيارة مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها الفيسبوك لنعرف أن القوم يسبحون في بحر من اللاعقلانية المضحكة أحيانا والمحزنة دوما

وما أصبح مثيرا للقلق هو انتشار خرافات آتية من الدين مباشرة يروجها أئمة في المساجد والقنوات التلفزية والجرائد. لقد شاهدنا على شاشة الشروق كيف كان إمام هذه القناة الأصولية شمس الدين وضيفه الراقي الشنفرى يتعاونان على إخراج "عفريت" من جسد فتاة وكيف يهددانه بالنار وبقراءة القرآن! وبالمناسبة هذا الشنفرى هو الذي اقترح نفسه ليذهب الى الكاميرون ليحرّر لاعبي الفريق الوطني من السحر الذي يكبل أرجلهم أمام مرمى الخصم

فما هي الأسباب التي جعلت البلد يصل إلى هذا الوضع الكئيب؟ يمكن أن نذكر عوامل كثيرة ومتشابكة ساهمت في انتشار الفكر اللاعقلاني وتراجع الفكر العقلاني، من أهمها: بنية ثقافية دينية تشجع الخرافة، منظومة تربوية لا تعلّم التفكير العلمي وترّسخ التفكير الغيبي، سلبية المثقفين العقلانيين امام رجال الدين وخوفهم من الجماهير المؤسلمة وامتناعهم عن نقد الشعوذة والخرافة خوفا من التصادم مع الدين.

ما العمل؟

إعادة النظر في المنظومة التربوية وتكوين المعلمين والأساتذة بصفة خاصة، تنقية وسائل الاعلام من الشعوذة، تدريس الفلسفة الحقيقية التي تحارب الحماقة، وقف الشعبوية الدينية الرسمية