لا شك أن ثمة صراع دائر بالمفاهيم وماهية المدركات الظرفية حول حقائق واقع الصراع الدولي بعناصر محلية… وهذا الصراع لاشك انه يحتدم في تفسير الكثير من النصوص بالأدبيات السياسية الليبية وعلى هذا الأساس اعتقد اننا بحاجة لإعادة صياغة المفهوم الوطني من جديد او بالأحرى لإعادة تجذيره من جديد ليتناسب وواقع المرحلة وحقائق مدركاتها الآنية حتى لا نضيع وسط زحمة التنظير الأيديولوجي والفكري ومنطلقات توجهات الكثير من الرؤى والأطروحات السياسية الهادفة إلى برمجة الوعي الوطني للمرحلة بما يتنافى واجندة الكثير من القوى العاملة على كافة الساحات المحلية والإقليمية و الدولية والتي ترى في هذه المنطقة بوابة من بوابات العبور نحو السيطرة على سدة الفعل السلطوي على المستوى العالمي والأممي… وأولى هذه المفاهيم التي أعتقد أنه من الضروري إعادة صياغتها بما يتوافق والرؤية الاستراتيجية للقضية الوطنية برمتها هي توصيف المرحلة الراهنة وماهيتها… ليُصار الى تحديد حقيقة البرنامج السياسي المتوافق عليه وانبثاق الأدوات الرافعة للفعل السياسي بكافة اشكاله سواء أكانت الدبلوماسية او الشعبية وصولا الى طبيعة فعل السيادة الكاملة ان كان لها دور او هامش في الفعل الليبي هذه الأيام بشكلها العام….

اعتقد اننا بحاجة لمرحلة توصيف فعلي وعملي وعلمي لماهية مرحلتنا الوطنية وهل نحن بالفعل بمرحلة التحرر الوطني ام اننا نمارس الفعل السياسي الاحترافي وكأننا قد اضحينا دولة ذات سيادة تمارس فيها القوى والأحزاب السياسية الفعل السياسي الاحترافي وهذا ما لا يستقيم وحقيقة الواقع الليبي… وعلى هذا الأساس فلابد إذاً من تحديد وتجذير توصيف وقائعنا المحلية حتى يُصار لنا ان نعي ادوات فعلنا وهوامش اختلافنا واتفاقنا… ومن هنا سأسمح لنفسي بعبور النقاش الجاري الآن حول موقف بعض الأطراف  من عدم المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية العتيدة  بعيدة المنال والتي اصبحت دربا من دروب الخيال الأمر الذي يعكس حقيقة وجوهر الأزمة الليبية .


أولا لابد من أن نتفق على أن كل طرف أصبح مكون أساسي من مكونات السلطة الليبية ومن نظامها السياسي حيث أصبحوا ممثلين على الشعب من خلال سياسة الأمر الواقع المفروضة من الضمير المستتر في الخارج  وبالتالي قد صاروا أطرافا في المشكل أو الحل بصرف النظر عن أيدولوجياتهم و انتماءاتهم التي أزمت المشهد الليبي بكامله. منهم مجلس النواب (المعطل بفعل واقع الشرذمة والانقسام) بحد ذاته يعتبر احدى اهم مؤسسات السلطة الوطنية و باقي الأجسام التي تعتبر كلها غير شرعية بالنسبة للمواطن لأنها اكتسبت شرعيتها من الخارج, فبلا شك أن الأطراف المتنازعة هي جزء من اللانظام السياسي القائم بالأراضي الليبية "المحتلة" من وجهة نظر كل طرف.  وبالتالي قد صارت كل تلك الأطراف تخوِن بعضها البعض هي شريكة في بلورة هذه الحالة الفوضوية سواء كانت في صف الموالاة للخارج او في صف المعارضة للخارج فبالنهاية هي ساهمت في صناعة هذا التشرذم و الفوضى بقصد أو بتغفل أو بجهلٍ بأصول اللعبة التي يحاول البعض تسميتها "الديمقراطية" مع ملاحظاتي العديدة والنقدية حول ما يسمى بالديمقراطية في ظل الحروب الأهلية وممارسته وعدم استواء الفعل الديمقراطي في ظل مرحلة الاحتلال الأيديولوجي و الفكري للعقل الليبي  فهي ليست بالضرورة أن تكون الديمقراطية على الطريقة الانتخابية هي الأمثل للجماهير الرابضة في ظل الفوضى و التدخلات الخارجية مع هذا الانقسام الفكري و الوطني….

وفي هذا السياق فإنني ما زلت أعتقد أن كل المجالس و الحكومات المتعاقبة قد جاءت كا نتاجات اوسلو وتلك الاتفاقات الموقعة مع الجانب الصهيوني غير أن الفرق في حالتنا هي أوامر و ليس اتفاقات.  بصرف النظر عن تلك الأوامر, فإن نتيجتها كارثية على بلادنا، الأمر الذي جعل البعض ينسل منها كما تنسل الشعرة من العجين.

إن حكومة الوحدة الوطنية بدأت حلم يتمناه الجميع و لكن لا يبدئون بأساساته, فالحلم يحتاج إلى نوم و راحة, كذلك حكومة الوحدة الوطنية تحتاج إلى الاعتراف بالخطيئة ثم التوبة بالمصالحة والوئام  و الذي ينتج عنه حلم وطن واحد يسع للجميع و يحب الجميع بعضه البعض فيه وهو الأمر الذي يستدعي مشاركة الكل الوطني في صياغة مفاهيمهم الجديدة أو فعل إصلاحها الجديد… هذا بالشكل.

 أما بالمضمون فقد قالت الجماهير الشعبية (….وكونها المعبر الصادق والمدافع الأمين عن المصالح الوطنية والديمقراطية الجذرية لهذا الوطن الجريح، ولكي تبقى ممسكة بشعارها "الحقيقة كل الحقيقة"، اتخذت قرارها القاطع بعدم المشاركة في هذه الترهات السياسية والوظائفية)… معتبرة أن عدم مشاركتها يعود لأنها ترفض المشاركة في المتاجرة بهذا الوطن كما ترفض وقف مقاومة الفوضى وحالة اللاوعي التي يحاول بيادق دول خارجية نشرها بين أبناء هذا البلد الواحد في كل شيء.

 كل ما سلف شكل هبوطاً عمودياً لبرنامج القواسم الوطنية المشتركة، البرنامج المتمثل في وثيقة الوطنية التي يرفضها كل خائن و مرتزق و عميل,…. وهذا يستدعي منا التوقف قليلا أمام هذا العهر السياسي … حيث انه وبالعودة الى البدء نلحظ ان ثمة تناقض بالموقف على اعتبار اننا وكما اسلفنا ان كل هذه الأجسام ولدت من رحم اتفاقات شبيهة باتفاق اوسلو وأخواته… و للأسف هذه هي الحقيقة التي لا يستطيع احد إخفائها اليوم, حيث أصبحت ظاهرة للعيان و التي يستطيع حل شفرتها و رموزها كل مبتدئ في السياسة فما بالك بمن يدعون السياسة إن أرادوا أن يحلوا معضلة هذا الوطن, و لكن سادتهم و محركيهم يرفضون حل معضلة هذا الوطن فهذه هي الحقيقة حتى وإن قيل أن الشعب هو صاحب القفزة الأولى في مستنقع الفوضى فما كان منا إلا أن نساعده على السباحة في هذا المستنقع. وفيما يخص احترام الاتفاقات فبتصوري ان من عبر الى دهاليز الفعل السلطوي من بوابة الخارج  وقد يكون العبور لاحقا الى جهنم و من نفس البوابة فالعالم اليوم تحكمه المصالح و الاتفاقات و ليس التوافقات وإن كانت بالطرق غير الشرعية…

لا شك أن من حق الشعب أن يرفض كل هذه البرامج و الرؤى السياسية لكن ليس من حقه أن يتناقض وواقعها وظرفية فعلها السياسي. اعتقد ان الشعب بكل أطيافه مطلوب منه اليوم وأكثر من أي وقت مضى الإجابة عن السؤال الأكثر إلحاحا وهو توصيف المرحلة ليبياً … 

وهل ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني أم نحن في مرحلة فعل الاحتراف السياسي..؟؟

إن عبور الشعب إلى ساحة اللعبة السياسية بالملعب السلطوي ومن خلال مؤسساته المفروضة عليه هو بحد ذاته إقرار واعتراف بمحددات وأساسيات (الاتفاقات الموقعة) ومن قال أن من يعارض اتفاق ما أو برنامج ما, يتم التصويت عليه ضمن ما يسمى بنظام الفعل الديمقراطي لا يكون شريكا بالقرار المُتخذ حسب نظام الأقلية والأكثرية… بل لا شك أنه نظام الأكثرية والأقلية ووفقا لما يسمى بالنظم الديمقراطية بات مطلوبا… وقد أتفهم موقف بعض الجهات بعدم المشاركة بحكومة الوحدة الوطنية كونها تأتي كاستمرار للمحاصصة والاستقطاب الحاد ما بين هذين الطرفين اللذان يتناسيان بأن هناك طرف ثالت شريك معهم في الوطن.  

Email:- [email protected] 

الآراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة