مصطفى حفيظ

منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية شهر فبراير الماضي، طفت مسألة الغاز الروسي على السطح، وبدأت أوروبا تفكّر في حلول لأزمة قد تواجهها في حال توقفت أو نقصت الامدادات الروسية من الغاز، في الأثناء، ظهر اسم الجزائر ضمن قائمة بلدان يمكنها أن تكون بديل محتمل لتعويض هذا النقص، ربما للتخلص من التبعية لروسيا، ثم عزلها عن حلفاءها، والجزائر كحليف استراتيجي لروسيا، هل يمكنها لعب هذا الدور المحوري بتوفير الكميات المطلوبة من الغاز لأوروبا على المدى القصير؟ وهل تريد أوروبا حقا منح الجزائر فرصة أن تصبح بعبعا طاقويا في المنطقة؟ أم أن مشروع خط الغاز العابر للصحراء من نيجيريا إلى أوروبا سيقوّض تلك الفرصة لحسابات سياسية يريدها الغرب؟

لعل ما يجعل الجزائر في الوقت الراهن دولة محورية على خط الأزمة الروسية مع أوكرانيا والغرب عموما بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، هو أنّها من بين أكبر عشر دول منتجة ومصدّرة للغاز في العالم، فهي وفقا للبيانات المتوفرة، تُعد أحد أهم موردي الغاز الطبيعي المسال لأوروبا، خاصة الجزء الجنوبي من الاتحاد الأوروبي عن طريق إيطاليا واسبانيا، بينما ما يزال يُعاني الاتحاد من التبعية للغاز الروسي، فروسيا هي المورد الأساسي والحصري للعديد من الدول الأوروبية أهمها ألمانيا، فمثلا بلغت واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي والفحم والنفط من روسيا ما قيمته 17 مليار يورو منذ بداية الحرب الغزو الروسي لأوكرانيا، وتُشير أرقام مركز أبحاث الطاقة والهواء النقي في أوروبا الغاز الطبيعي المسال نحو 10.6 مليارات يورو، والنفط بنحو 5.7 مليارات يورو، والفحم 435 مليون يورو، وتؤكد البيانات المتوفرة حجم تبعية الاتحاد الأوروبي للغاز الروسي، حيث استوردت دول الاتحاد نا يقارب 680 مليون يورو يوميا من الغاز الطبيعي والفحم والنفط من روسيا، وتحتل ألمانيا المركز الأول من حيث البلدان الأوروبية التي تستورد الغاز والنفط والفحم الروسي بما يفوق 40 مليار يورو وفقا لأرقام سنة 2021، ثم تليها هولندا وإيطاليا وبولندا واسبانيا، وبلغت واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الروسي العام الماضي ما يزيد عن 150 مليار متر مكعب، ويُظهر هذا أن أوروبا مرتبطة بروسيا بشكل كبير، وتبعيتها لروسيا أمرٌ واقع وواضح، وهو ما جعل الاتحاد يفكر في البحث عن بدائل لتعويض الغاز الروسي والتخلص من هذه التبعية.  

وورد اسم الجزائر ضمن مجموعة من الدول الأكثر انتاجا للغاز في العالم تفكر أوروبا في التعامل معها كحل بديل عن الغاز الروسي، منها قطر والولايات المتحدة ونيجيريا، ولعل الزيارات الأخيرة لعدد من المسؤولين الأوروبيين إلى الجزائر تدخل في هذا الباب، خاصة إيطاليا التي زار وزيرها الأول ماريو دراغي الجزائر بداية شهر أبريل، وعقد جلسة عمل مع الرئيس الجزائري، وهو اللقاء الذي انتهى بتوقيع مذكرة تفاهم في مجال الطاقة تقضي برفع امدادات الغاز الجزائري نحو إيطاليا كونها أكبر مورد بالغاز لهذه الدولة، وجاءت في ظرف حساس تخشى فيه دول الاتحاد الأوروبي من توقف امدادات الغاز الروسي، والاتفاق جرى بين عملاقيّ الطاقة "إيني" الإيطالي" و "سوناطراك" الجزائري لزيادة ضخ الغاز عبر أنبوب "ترانسمد" نحو إيطاليا، وتتعلق هذه الاتفاقية أيضا بالشراكة الإيطالية الجزائرية في مجال الاستكشاف لزيادة الإنتاج لمواجهة حجم الاستهلاك المحلي وتعزيز احتياطي الجزائر من الغاز للتحول إلى قوة طاقوية وتعزز مواقفها ومكانتها الدولية كلاعب محوري يُحسب له حساب.

يجب الإشارة إلى أن الجزائر منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، كانت قد أبدت استعدادها لتزويد أوروبا بالغاز عبر أنبوبها مع إيطاليا، أي أنها كانت قد طرحت نفسها كبديل محتمل لتعويض أي نقص أو وقف محتمل لإمدادات الغاز الروسي لأوروبا، لكن هل يمكن أن تحل الجزائر كبديل عن الغاز الروسي في أوروبا؟ هذا ما حاولت بعض الأرقام وتوقعات الخبراء أن تشير إليه، منها أن الجزائر برغم كونها ضمن أكبر عشر بلدان المنتجة والمصدرة للغاز في العالم، إلا أنها قد لا تستطيع أن تلعب دور البديل لأسباب تتعلق بالاستهلاك المحلي، وتدني احتياطها من الغاز ونقص الاستكشاف، أي لا يمكنها أن تُعوض الغاز الروسي وحدها مثلما أشار الوزير السابق لقطاع الطاقة بالجزائر، عبد المجيد عطار، الذي قال في تصريحات صحفية لوسيلة إعلامية فرنسية بأنّ "الجزائر تصدّر حوالى 22 مليار متر مكعب عبر أنبوب ترانسميد"، وهو يتسع لعشرة مليارات متر مكعب أخرى للتصدير،" لكنه أقرّ بحكم خبرته في الميدان، أن الجزائر "لا يمكن أن تعوض وحدها الانخفاض في إمداد الغاز الروسي"، وقد تستطيع ارسال امدادات أكبر على المدى المتوسط في غضون أربع أو خمس سنوات بشرط زيادة احتياطاتها من الغاز، بحسب رأيه.

ولعل الجزائر تُدرك هذا الأمر وتخطط في المستقبل لزيادة احتياطها من النفط والغاز، بدليل أنها تعتزم استثمار 40 مليار دولار بين 2022 و2026 في الاستكشافات في هاتين المادتين، وبين شهري فبراير ومارس الماضي، كانت شركة المحروقات الجزائرية "سوناطراك" قد أعلنت عن اكتشافات جديدة للغاز مع الشريك الروسي "غازبروم" الدولية، وهذا قبل بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، ومعروف بأن روسيا شريك هام بالنسبة للجزائر في مجال الطاقة وبالأخص الغاز، ومن خلال هذه الشراكة، ستتعزز قدرات الجزائر أكثر من الغاز والتي ستمكنها من لعب دور في الساحة الدولية كقوة طاقوية لا يستهان بها، برغم أنها غير قادرة على تعويض الغاز الروسي وحدها في الوقت الحالي، لأن هناك نيجيريا على الخط، والتي تعد تصنف ضمن أبر الدول التي تمتلك أكبر احتياطي من الغاز عالميا، وربما لهذا السبب قد تفكر أوروبا في هذا البلد كبديل حيوي للغاز الروسي على المدى البعيد من خلال مشروع خط الغاز العابر للصحراء – خط أنابيب يربط نيجيريا بأوروبا لإمدادها بالغاز، وهذا المشروع الذي لم ينطلق بعد، من شأنه بحسب المعطيات المتوفرة أن ينقل حوالي 30 مليار متر مكعب إلى الجزائر مرورا بدولة النيجر التي هي دولة حدودية مع نيجيريا، أي الخط يشمل ثلاث بلدان (نيجيريا-النيجر-الجزائر) ثم يمر إلى أوروبا، لكن لحد الساعة ما تزال الأمور متوقفة ولم تفصل نيجيريا في المشروع، لأنه على ما يبدو هناك أكثر من دولة دخلت على الخط، أي أن المسألة قد لا تتعلق بقرار سيادي من نيجيريا، لأن هناك أكثر من طرف متدخل في المشروع ولو بشكل غير مباشر، أهم هذه الأطراف هي الولايات المتحدة وأوروبا والمغرب، لكن لماذا؟

عندما قلنا بأنا الجزائر لا يمكنها في الوقت الراهن تعويض الغاز الروسي وحدها، قصدنا أنها لا تملك من المخزون الاحتياطي ما يكفي لإمداد أوروبا بالغاز، لذلك تكون نيجيريا رفقة الجزائر معا قادرين على لعب الدور، لكن، وهذا هو الأهم، هل تنجح الجزائر في افتكاك الصفقة وتحويل مشروع خط الغاز العابر للصحراء إلى الطريق الذي تريده، وهو عبر النيجر ثم عبر أنابيبها مباشرة إلى أوروبا، أي أنها ستتحول في حال استكمال المشروع إلى أهم مورّد لأوروبا بالغاز، وهنا يجب الإشارة إلى مسألة جد هامة، وهي أنّ الجزائر التي تسعى لإيجاد موطئ قدم في المعادلة الجيو-سياسية الدولية الجديدة، في ظلّ التوتر بين روسيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، أي أنها تريد أن تكون قوّة طاقوية ذات وزن في الساحة الدولية، ما قد يعزز مواقفها ويسمح لها من تحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية، لكن رغبة الجزائر في الظفر بهذا المشروع الحيوي مع نيجيريا قد يصطدم برغبات دول أخرى ترى مصالحها من جهة أخرى، فمثلا، التقارب الروسي الجزائري خاصة في المجال الطاقوي والتسلح يثير مخاوف الاتحاد الأوروبي على المدى البعيد، أي أن العلاقات القوية بين روسيا والجزائر قد تؤثر على حظوظ هذه الأخيرة بخصوص المشروع، فهذا الأخير -خط الغاز العابر للصحراء يهم أوروبا وامريكا معا كونه الأكثر ملائمة لأوروبا كتعويض للغاز الروسي، لذلك قد يتم التأثير على موقف نيجيريا بخصوص نقل الغاز عبر الصحراء الجزائرية مرورا بالنيجر، وحثها على اختيار طريق آخر لتمرير الخط، وهو المرور عبر دول غرب افريقيا مرورا بموريتانيا ثم المغرب ثم اسبانيا. ما تريده أوروبا هو التخلص من التبعية لروسيا التي تهدد بقطع الامدادات عنها بسبب موقفها من الحرب على أوكرانيا، إذن، لو افترضنا أن الجزائر فازت بصفقة خط الغاز النيجيري ومررته عبر صحراءها إلى أوروبا، ستتحول إلى قوة طاقوية وتعزز مكانتها الدولية، لأنها ستحوز على ورقة كبيرة في أي مفاوضات، ورأينا من قبل كيف تعثرت في مفاوضات الشراكة مع المنظمة الدولية للتجارة الدولية، لذلك هناك مخاوف أوروبية في حال تحولت الجزائر لبعبع المنطقة وعراب الطاقة الذي يمكنه تحويل أي موقف لصالحه، ولا تريد أوروبا أن تواجه نفس الموقف الذي تواجهه حاليا مع روسيا، لأنها تخشى من أن تقوم الجزائر بنفس الموقف في حال لم تتفق معها، خاصة وأن الجزائر  لها علاقات قوية مع روسيا، في حين أنهم يروا في المغرب الشريك المناسب، ولعل هذا ما جعل هذا الأخير ينافس الجزائر للظفر بالمشروع، لذلك فالخلاف مع الجزائر قد لا يكون النزاع الصحراوي بقدر ما يكون محاولة التمركز كقوة إقليمية في المنطقة، ثم إنّ هناك إرادة أوروبية، فرنسية بالأخص، في عرقلة الجزائر، من خلال توتير المنطقة في النيجر، أي خلق حالة لا أمن لتبرير خطورة تمرير الغاز عبرها، ثم هذا ما يُفسر التغير في الموقف الاسباني إزاء النزاع الصحراوي، ومحاولتها التخلص من تبعيتها للجزائر في مجال الغاز وتحولها نحو الاستيراد من الولايات المتحدة، وربما كانت واشنطن وراء تغيير اسبانيا موقفها حول النزاع الصحراوي ومساندتها المقترح المغربي برغم علمها المسبق بالموقف الجزائري، وقد تكون أمريكا هي التي لا تريد لهذا المشروع أن يمر عبر أنابيب الجزائر نحو أوروبا، لأنها لا تريد أن تتحول الجزائر إلى بعبع في المنطقة. فهل ستنجح الجزائر في مساعيها؟