عبد الستار العايدي

في إنتظار السيدة نجلاء بودن، أول رئيسة لحكومة تونسية وعربية ورئيسة الحكومة المقبلة، أن تنجح في تشكيل الحكومة التي من شأنها أن تقنع رئيس الدولة قيس سعيّد ومسانديه وخاصة معارضيه، كانت المراتب المتدنّية من نصيب تونس في السنوات الأخيرة من حيث الفارق بين النساء والرجال، وخاصة ما يشمل مشاركة النساء في الحياة السياسية، فقد بلغت المرتبة 67 عالميا، حيث تراجعت نسبة استلامهن للحقائب الوزارية من 23.1 في المائة سنة 2018 إلى 10 في المائة سنة 2019. كما تراجعت مرتبة تونس عربيا إلى المرتبة الرابعة سنة 2019 بعد أن كانت ضمن المرتبة الثانية 2018.

سارع قيس سعيّد في لحظة قرار فردي أن يؤيّد موقفه السياسي المضطرب بين المؤيدين والرافضين لمنهجه المتّبع بعد 25 جويلية 2021 ، إلى أن يلجأ إلى الحضن التاريخي، مؤسسة قرطاج عليسة وعنوان النضال النسائي التاريخي، والمجتمعي المتمثل في أن المرأة التي إستغلها ما سبق من حكام الدولة ستكون هي الخلاص للمأزق في عدم وجود رجل لا تتعلق شبهات فساد، وقد إعتبره البعض هو أيضا مستغلا لصورة المرأة من أجل إنقاذ ماء وجهه السياسي.

بين مؤيد من وجهة النظر المساندة للحضور النسوي في عالم السياسة وخاصة المناصب المهمة مثل، مهمة رئيس الحكومة، وقد إعتبر البعض أن هذا التكليف هو تشريف لصراع المرأة التونسية من أجل إثبات جدارتها لتحمل مسؤولية قيادة الدولة والتخلص من عبث السياسيين بها وتهميش دورها في المشهد السياسي. وبين معارض متعللا، بأفكار المجتمع الذكوري العربي، أن من فشل فيه الرجال قد لا تنجح في إنجازه إمرأة لا تحمل فكرا سياسيا وأن قيس سعيّد إختار إمرأة لرئاسة الحكومة، حكومته، حتى يضمن الولاء الكامل بعد أن لدغ من الجحر الإخواني مرة، وتعلّم من الخيانة السابقة، بينه وبين رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي وفي ما حدث بين رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد ورئيس الجمهورية الراحل الباجي قايد السبسي ، لازالت نجلاء بودن في حيرة من أمرها بين عدم معرفتها بكل ملفات من ستختارهم وزراء حكومتها وبين معرفة ورفض قيس سعيّد لبعض الأسماء التي إرتبطت بهم شبهة إنتماء لأحزاب معادية له أو بعض شبهات فساد.

حيرة نجلاء بودن التي شهدت حكم عدة رؤساء جمهورية لتونس قبل ذلك، وقد كان الأول المستغلّ الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي سعى إلى تقوية دور المرأة من أجل توظيف ذلك سياسيا وإستغلال تلك الصورة أمام العالم لضمان إستمرارية حكمه وليس لإيمانه بمشروعية هذه الحقوق. ففي انتخابات المجلس القومي التأسيسي عام 1955، صاغ بورقيبة قانونا انتخابيا لا يمنح حق التصويت إلا للمواطنين الذكور ويحرم المرأة من ذلك، وقد إستطاع الحبيب بورقيبة وحاشيته تحويل هذا الصراع بين النساء والرجال حول الحقوق والحريات إلى صراع بين بورقيبة الليبرالي المجدّد وبعض من شيوخ الزيتونة الذين يدافعون عن أفكار رجعية، وخلفه المستغل الثاني الرئيس الراحل زين العابدين بن علي الذي حاول أيضا إستغلال وتوظيف حقوق المرأة للدعاية وتجميل الوجه القبيح للديكتاتورية، وكانت النساء يخضعن للتمايز بين من يناصرن النظام ومن يعارضنه والتضييق على مناضلات الحركات الديمقراطية والتقدمية والنقابية الرافضات التطبيل للنظام الحاكم وتعرّضن للهرسلة والمراقبة المشدّدة، كما نجح المستغلّ الثالث الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وحزبه إستنادا إلى منطق النفعية في جذب العدد الهائل من النساء المتعاطفات بعد الإدراك لما للمرأة التونسية من وزن جماهيري في تغيير اللعبة السياسية وليس تبعا لمنطق الدفاع عن حقوقها.

قد تكون تسمية قيس سعيّد لإمرأة مجهولة داخل المشهد السياسي التونسي على رأس الحكومة ودون تجربة سياسية يعكس حذره من كل الطيف السياسي المتسم عبر سنين طويلة بشبهات الفساد وخيانة الوعود ليضمن لنفسه السير على نفس الخط الذي رسمه لبرنامجه المتمثل في أهم نقطة له، مكافحة الفساد. وقد تعتبر هذه التسمية هي ترويج واضح لمنهجه المختلف وتسليط الضوء على تونس وعليه بإعتباره مخالفا لما سبق من رؤساء الجمهورية التونسية ووجهة نظر للتخلص من التوظيف السلبي للمرأة، ورأي مخالف لما عرف عنه بأنه شخصية محافظة ومتحفظة فيما يخص مسألة المساواة في الميراث، كذلك أيضا، أن ينفي عنه الاتهامات بعدم إنفتاحه بشأن حقوق النساء.

الطرح السياسي الأصعب أمام نجلاء بودن مستقبلا ومع فرضية منحها كل صلاحيات رئيس الحكومة دون تدخل لقيس سعيّد، هل بإستطاعتها أن تتجاوز كل الأزمات، أولها المأزق السياسي بين رئيس الدولة وحركة النهضة والحضور الإخواني في أجهزة الدولة، ثانيا فحكومة نجلاء بودن المقبلة مطالبة بإزالة الغموض حول ميزانية الدولة لتلافي تعارض محتمل مع المؤسسات الدولية المانحة في ظل أزمة ديون خانقة ومستحقات يتوجب دفعها كل آخر سنة قد تكلّف الاقتصاد التونسي ثمنا باهظا خاصة مع تعطل تدفق الاستثمارات الأجنبية، ثالثا ما هي السياسة التي ستتّبعها لإيجاد حلول ناجعة لمشاكل المواطنين التونسيين تصديقا لوعود رئيس الدولة سواء في ما يتعلق بحلول للبطالة وغلاء المعيشة وغيرها من المشاكل.

مورفولوجيا المشهد السياسي التونسي الحالي ، وجغرافيا إرتباطات موظفي الدولة التكنوقراط بالطيف السياسي العام سيجعل من الممكن أن يجعل من تشكيل حكومة شيئا صعب المنال خاصة وقد إرتبطت بشخصية لا تملك بعدا سياسيا غير تجربتها الأكاديمية، قد يكون ذلك دهاء سياسي من قيس سعيّد لكتم الأصوات الداخلية والدولية المطالبة بتشكيل حكومة والعودة للعمل بالدستور وضمان التوازن السياسي عموما، أو قد يكون فعلا هو الإختيار الأصعب والأفضل في خضم وضع ضبابي، لم تنقشع عنه غير سحابة الوضع الوبائي السيء، الإختيار الأفضل لمزيد تضييق الخناق وتجفيف المنابع أمام الحضور الاخواني أو الفساد الذي ينخر أجهزة ومؤسسات الدولة.