قبل بيان حال الواقع الذي أصبحت عليه ليبيا يوم ليلة احتفالات المسيحيين (بماري كريسمس) سنة 1951 م . لابد من توضيح معنى كلمة الاستقلال و بيان ملابسات كيف منحت الأمم المتحدة لليبيا استقلالها في ذلك العام. معنى كلمة استقلال :- في قاموس اللغة ( قاموس المعاني ) استقلال - اِسْتِقْلالٌ : [ ق ل ل ]. ( مصدر اِسْتَقَلَّ ). 1 ." الاِسْتِقْلالُ بِالرَّأْيِ " : الاِسْتِبْدادُ بِهِ وَعَدَمُ مُشارَكَةِ النَّاسِ الآخَرِينَ فِيه . 2 ." ناضَلَ الشَّعْبُ العَرَبِيُّ مِنْ أَجْلِ اسْتِقْلالِهِ " : أَيْ مِنْ أَجْلِ التَّحَرُّرِ وَالخَلاَصِ مِنَ القَيْدِ وَالسَّيْطَرَةِ الأَجْنَبِيَّةِ ، وَذَلِكَ بِحُكْمِ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ وَحَسَبَ إِرادَتِهِ . و ورد في موسوعة ويكيبيديا تعريف لكلمة الاستقلال، حيث عرفت على النحو التالي: الاستقلال الذاتي: - هو مفهوم يتم تناوله في الفلسفات الأخلاقية والسياسية ويشير إلى قدرة الفرد العاقل على صنع قراره الذاتي بنفسه، ومن دون تدخل من أي طرف آخر سواء كانت الدولة أو المجتمع. ويتم استخدام هذا المصطلح للإشارة لتحديد المسؤولية الأخلاقية لتصرفات الفرد. سياسيا (استعمل هذا الاصطلاح في بادئ الأمر للإشارة إلى حق الدولة في حكم نفسها، وممارستها الصلاحيات الإدارية، دون تدخل سلطة أجنبية...). هذا بشيء من التبسيط معنى الاستقلال اردنا ان يكون مدخل لما سوف نقوله فيما بعد و نرى مدى تتطابق أو عدم تتطابق هذا الكلام الواقع الليبي. نوضح كيف تم منح ليبيا استقلالها بشي من الإيجاز و التركيز على أهم المراحل التي مر بها الوطن بعد قدوم لجنة بلت التي نقلت تطلعات الشعب الليبي إلى التخلص من الاحتلال ،كان الانقسام يضرب اطنابة بين التيارات السياسية الليبية ففي الشرق ادريس السنوسي المدعوم من الانجليز و المستعد للتنازل عن كل شيء إلا الحكم، وفي الغرب بيرز الرجل صاحب النفوذ القوي بشير السعداوي و المدعوم من عبدالرحمن عزام أمين الجامعة العربية في ذلك الوقت، و رشحت كفة بشير السعداوي شعبيا لقيادة ليبيا، لكن ادريس السنوسي ومن يعاونه قالوا اما إن يكون ادريس على هرم السلطة أو تصبح برقة اماره مستقلة بنفسها و تنفصل عن باقي جسد ليبيا، و ازاء هذا التعنت في الرأي ( قال السعداوي إلى رفاقه المهم هو وحدة ليبيا و ليس مهم من يحكمها ) و كاد إن يسافر الليبيين إلى الامم المتحدة بوفدين لولا تدخل السعداوي لدى جميع الاطراف و اصراره على إن يظهر الليبيين موحدين لحظة عرضهم قضيتهم أمام العالم و كان له ما اراد و تراس الوفد محمد العنيزي ، و تبين منذ البداية إن الدول الكبرى لها مصالح لا يمكن إن تتنازل عنها في ليبيا، و ظهرت مطامع الغرب من خلال مشروع ( بيفن – سفورزا ) الذي قسم ليبيا الى مناطق نفوذ بين الدول الكبرى ، و في نهاية التباحث الذي اخذ عدة جولات و أيام اقرت الدول الكبرى إن تمنح ليبيا استقلالها في عشية أعياد ميلاد المسيحيين. تحت أسم المملكة الليبية المتحدة ، وخلال الفترة الزمنية التي بين قرار الأمم المتحدة ،و يوم الاستقلال شرعت الدول الكبرى في عقد الاتفاقات التي تؤمن سيطرتها على مفاصل الوطن وقد زار السيد ( كلارك ) مندوب الولايات المتحدة بليبيا ادريس السنوسي في بنغازي، و شرح له البرنامج العسكري الأمريكي الذي تريد الولايات المتحدة تطبيقه في ليبيا، و المعونات الاقتصادية التي ممكن إن تحصل عليها ليبيا من الولايات المتحدة إذا ما وافقت على هذا البرنامج، و من اجل عدم خلق مناخ متوتر مع الدول الكبرى الأخرى عقدت الولايات المتحدة اتفاقية عامة في 15 يونيو 1951م . مع فرنسا و بريطانيا كدولتي إدارة في ليبيا ،وشرعت الدول الكبرى في توقيع الاتفاقات مع الحكومة الليبية التي كانت برئاسة محمود المنتصر ،حيث حصلت الولايات المتحدة على قاعدة في طرابلس معززه بتواجد عسكري كبير في ليبيا، وسيطرة على الأجواء الليبية مقابل مليون دولار سنويا يدفع لليبيا من طرف الحكومة الامريكية ،وحصلت بريطانيا صاحبة الفضل على ادريس السنوسي باتفاق قضى بحصولها على قاعدة جوية في طبرق شرق ليبيا، وقبل حلول موعد تاريخ الاستقلال قامت بريطانيا بربط الدينار الليبي بعملتها و قدمت ضمانه للإصدار الاول و تغطية العجز المالي لدى الحكومة الليبية مقابل فرض رقابة مالية من خلال تواجد موظف مالي تابع للحكومة الانجليزية، واجبرت حكومة محمود المنتصر على توقيع اتفاقية مالية تم العمل بها في31- مارس – 1952م. كما لعبت بريطانيا دور مهم في خسارة الحزب الوطني بقيادة بشير السعداوي ذو الميول القومية في انتخابات 1952م . حيث انزلت عربات مصفحة إلى الشوارع في بعض المدن الليبية، و أذكت نار الخلافات بين الليبيين التي نتج عنها اعتقال السعداوي و رفاقه و تهجيرهم خارج الوطن حيث اكمل بقية العمر متنقل بين البلدان الى إن وافاه الاجل و دفن في بيروت و بقى هناك إلى إن طالبت الدولة الليبية برفاته سنة 1970 م. والجدير بالذكر إن الحكومة الانجليزية في شهر مارس من عام 1953 م امتنعت عن تغطية العجز في الميزانية الليبية إلا بعد الرضوخ لمتطلباتها، مما اجبر الحكومة الليبية الى عدم اقرار ميزانيتها في ذلك العام، و رضخت الحكومة الليبية لكل المطالب البريطانية و وقعت معها اتفاقية في يوليو 1953 م . دخلت حيز النفاذ قبل إن يصادق عليها البرلمان الليبي، رغم إن السلطات المصرية في ذلك الوقت عرضت على حكومة المنتصر سد العجز في الميزانية الليبية دون شروط عدا شرط عدم توقيع اتفاقية مع بريطانيا، غير إن محمود المنتصر رفض هذا العرض، و في الجنوب الليبي تمتعت فرنسا بنفوذ قوي من خلال الحاكم العسكري الفرنسي و عائلة سيف النصر التي لها ارتباطات وثيقة بالحكومة الفر نسية، فيما استمر نفوذ إيطاليا في ليبيا رغم خسارتها الحرب من خلال بعض الأعوان الليبيين أمثال سالم المنتصر رئيس حزب الاستقلال ، و جاليتها التي كان يقدر قوامها بأكثر من (20) الف مستوطن مسيطرين على القطاع الزراعي حيث امتلكت هذه الجالية 295 مزرعة تقدر مساحتها بـأكثر من 60 ألف هكتار، كما امتلكت 211  هكتار أرض صالحة لبناء العقارات و 1702 مسكن صحي و لديهم 266 متجر و19 مصنع و60 معمل. كل ما ذكر كان موجود في زمن المملكة الليبية المتحدة و المملكة الليبية فيما بعد، بتفاصيل أكثر لا يسع المقال إلى تناولها ، واستمرت هذه الأوضاع إلى قيام ثورة الفاتح في 1969م ، حيث تم الاستغناء عن كل الموظفين الإنجليز في دوائر الحكومية، و عدم تجديد أي اتفاقية من اتفاقيات القواعد الأجنبية، و خضعت هذه القواعد إلى سيطرة القوات المسلحة العربية الليبية، و تم ترحيل الجالية الإيطالية و استرداد الأراضي الزراعية، و توزيعها على العمال الليبيين الذين كانوا يعملون لدى المستوطنين الإيطاليين ، كما تم تأميم النفط و السيطرة علية من قبل المؤسسة الوطنية للنفط ، و السيطرة على المجال الجوي الليبي ، وفصل الدينار الليبي عن الإسترليني . نحن نضع بين ايديكم هذه الحقائق التاريخية، و نترك لكم و إلى عقولكم تقرير اذا ما كان يوم 24 – ديسمبر – 1951 م . يعبر واقعيا وفعليا عن استقلال الإرادة الليبية السياسية، و المالية، و العسكرية، و يلبى كل تطلعات و تضحيات الشعب الليبي خلال الحقب الاستعمارية المتعاقبة، إن أجابتكم لها قيمة مهمة في جوانب عدة ، حيث نستشرف منها ملامح المستقبل. 


الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة