عبد الستار العايدي

"ما أخذ باليمين من كل الشعب سيعود منه اليسير للبعض بالشمال"، تلك نهاية ومنتهى برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي كشفت عنه الحكومة قبل أيام خلال الاجتماع الذي ضمّ ثلاثة عشر وزيرا لتفسير فحوى هذا البرنامج، إصلاحات وتغيير تدريجي لهيكلية نظم عمل الدولة ودورها في فرض التوازن الاجتماعي مما سيكون طريقا أولا لمزيد إقناع المؤسسات المالية المانحة ورفع الأعباء التي ترزح بها المالية العمومية، ولكن الوزر الأكبر سيدفعه الشعب سواء العاطلين عن العمل بمزيد ارتفاع نسبة البطالة أو موظفي الدولة بالضغط على كتلة الأجور إلى جانب تدهور المقدرة الشرائية أمام غلاء الأسعار بعد سحب دعم المواد الأساسية حيث سيقع العمل على تخصيص فئات بعينها من مستحقي هذا الدعم

ملخص أغلب نقاط هذا البرنامج الإصلاحي جمعت بين تحريك مستوى الأسعار تدريجيا يلي ذلك سحب الدعم عن المواد الأساسية وتوجيه الدعم لمستحقيه لدعم القدرة الشرائية للمواطن ، سحب الدعم سيشمل المواد الطاقية بداية من سنة 2023 الغاز الطبيعي ثم بعد ذلك يتم تعديل منظومة الدعم في تونس لتصل كلفتها إلى حوالي 200 مليون دينار (65.9 مليون دولار)، أي ما يعادل 3.3 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، ثانية المراهنة على الطاقات المتجددة لتخفيف وطأة التمويلات الضخمة لدعم المحروقات وغيرها، كما تستعد الحكومة لضبط قائمة الشركات الحكومية وتدقيق وضعياتها وإعداد برنامج لتسوية ديونها مع الدولة، إلى جانب التخطيط ضمن هذا البرنامج لحل إشكالية مديونية القطاع البنكي، وتكريس العدالة الضريبية بتحسين قدرة الدولة على تحصيل المداخيل الضريبية ودعم الموازنة وإرساء نظام ضريبي يحتكم إلى مبادئ العدالة والشفافية، وتضمّنت هذه المخططات أيضا التحكم في كتلة الأجور بمراجعة أجور موظفي القطاع العام وعددهم أكثر من 661 ألف موظف بفاتورة أجور سنوية تصل إلى أكثر من 20 مليار دينار، كل هذه النقاط وحسب رؤية حكومة نجلاء بودن ترمي إلى وضع أسس نمو إدماجي ومستدام في أفق عام 2035 واستعادة الثقة بين تونس والمؤسسات المالية الدولية واستحثاث نسق الاستثمار الخاص بالإضافة عن تكريس نجاعة الإدارة والمؤسسات العمومية خدمة للمواطن وللاقتصاد وتحقيق تنمية اجتماعية واقتصاد قادر على مواجهة الصدمات .

في نفس السياق، وبالتوازي مع طرح الحكومة لبرنامج إصلاحاتها المقترحة، تعمل اللجنة الاستشارية للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية على صياغة مسودة لقراءة الواقع الاقتصادي التونسي خلال السنوات القادمة، وحسب ما صرّح به منسق الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة العميد الصادق بلعيد فان اللجنة الاستشارية الاقتصادية، التي يترأسها عميد المحامين وأحد أعضاءها رابطة حقوق الإنسان، لا تهتم بما جاء به برنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادي إلا في الجوانب التي يمكن أن تدخل في مجال الدستور، وهذا سيحيل بالضرورة إلى تضارب وجهات الرؤى ووجهات النظر للوضع الاقتصادي بين قيس سعيّد وحكومته كذلك التضارب بين الواقع الذي تطرحه الحكومة والمثالية التي يتطرّق بها الدستور الجديد لنفس المسألة، تناقض قد يفسح المجال لتدخل قيس سعيّد لفرض وجهة نظر تجمع بين الرؤيتين المختلفتين وهذا يعيدنا للمربّع الأول والحديث عن أن نسخة الدستور موجودة كأحد نقاط خارطة طريق قيس سعيّد نظريا وما يحدث اليوم سوى إعطاء المشروعية للصيغة الجديدة للدستور.

أمام التضخم الذي يعصف بالدينار التونسي الذي قارب ثمانية بالمائة ونسب عجز الميزانين التجاري والغذائي المتصاعدة كل فترة ونسبة البطالة التي وصلت إلى أكثر من ستة عشر بالمائة، قدرة شرائية ضحلة أمام غلاء الأسعار، مديونية الدولة للبنوك المحلية، تساقط فئات الطبقة المتوسطة في أحضان الطبقة الفقيرة من الشعب، غياب منوال تنموي داخلي للولايات، ديون خارجية يتوجب سدادها في الاوقات المحددة لها، إستثمار خاص داخلي وخارجي متردّد خوفا من تفاقم حالة الاحتقان الاجتماعي وغيرها من الأسباب من الممكن القول أن البرنامج الحكومي للإصلاحات الاقتصادية نظريا كما أفاد به مسؤولي صندوق النقد الدولي بأنه جيّد ومقنع ولكن لا تزال مسألة تطبيقه على أرض الواقع صعبة جدا في إنتظار تراجع الشريك الاجتماعي الأول، الاتحاد العام التونسي للشغل، عن إصراره على معارضته ما تسعى إليه الحكومة، فاتحاد الشغل يعتبر إياه برنامج لإلحاق الضرر بكل التونسيين خاصة عند الرفع التدريجي لدعم المحروقات والكهرباء وتجميد الأجور والتفويت في الشركات الحكومية تحت شعار الإصلاح، وهو كذلك برنامج لإرضاء صندوق النقد الدولي، كما يرى بعض المهتمين بالشأن الإقتصادي أنه برنامج إصلاح صعب تجسيده واقعيا حيث لا يوجد إختلاف كبير بين هذه الاصلاحات وملف الإصلاحات الذي قدمته حكومة هشام المشيشي سنة 2021 لصندوق النقد كذلك صعوبة تطبيقه إستنادا للوضع الاقتصادي العالمي في خضم الصراع الجيوستراتيجي على ضوء الحرب الروسية الأوكرانية. 

بين إصلاح إقتصادي لإقناع صندوق النقد الدولي، الحكومة، وإصلاح قد يعالج الوضع الداخلي بصيغة تونسية بحتة، قيس سعيّد، يترقّب كل التونسيين ما ستقدمه اللجنة الاستشارية الاقتصادية والاجتماعية من مقترحات لتضميد الندوب التي من الممكن أن تخلّفها الاصلاحات الحكومية في صورة الإصرار على تطبيقها رغم رفض الشركاء الاجتماعيين خاصة وأن فرضية التراجع عن ذلك سيضع الحكومة في موقف دولي صعب ومحلي أصعب لعجزها عن إدارة الأزمة الداخلية سابقا بصيغة تونسية بحتة رغم تأكيد نجلاء بودن أن برنامج الاصلاح كانت أفكار تونسية دون تدخل أو فرض شروط من طرف صندوق النقد الدولي.