اعتقد ان كل ما نعانيه في وقتنا هذا . من عبث يعصف بنا داخل الجغرافية الليبية . كان نتجه طبيعية لنقل الحوار وتداول النقاش للمواضيع المطروحة ذات العلاقة بالشأن العام .   من داخل قاعة البرلمان . الى أيادي اجسام موازية كانت نتاج لمخاض ما عرف بمؤتمر الصخيرات . وبقول اخر . لقد حدد الليبيون ومند اللحظة . التى توجهوا فيها نحو صندوق الانتخاب . ان نقاش قضايا الشأن العام . التى تخصهم وبلادهم داخلا وخارجا . يجب ان يثم تداولها بالنقاش والحوار داخل قاعة البرلمان . ومن خلال وعبر اعضائه المنتخبين .  وليس الى داخل خارجه  . فى اجسام موازيه . كالتي جاء بها مؤتمر الصخيرات .  

      وبصيغة اخرى اقول  . ان الاختلافات في وجهات النظر في المواضيع المطروحة والمتعلقة بالشأن العام . قد اختار الليبيون بان يكون البرلمان واعضائه هما الوعاء والاداة . لإشباعها نقاش وحوار وتداول وتمّحيص . ثم بعد ذلك الذهاب الى الاحتكام للتصويت لا نهاء الاختلاف .  ولكن عرّاب مؤتمر الصخيرات ولأمر في نفسه  .  لم تروق له هذه الآلية العملية والمقّنعة لمعالجة الاختلافات الطبيعية في وجهات النظر بين الافراد - نعم ستكون البدايات مرّتبكه وغير مقّنعة , ولكن مع الزمن ستنضج الآلية وتسّتوى -  .  فذهب هذا العرّاب نحو خلق اجسام موازية للبرلمان . لتكون بديل عنه ونقيض له في كل ما جاء من اجله . فمثلا . جاء البرلمان ليفسح المجال لكل الليبيين بان يتناولون شائهم العام بالحوار والتداول بالنقاش من خلال نوابهم داخل قاعة البرلمان  . ثم يذهبوا في نهاية الحوار  . لحسم الاختلاف نحو الاحتكام الى اغلبية الاصوات . 

       في حين الاجسام الموازية . التى تمخض عنها مؤتمر الصخيرات  . ذهبت الى حصر نقاش الشأن العام . في يد كيانات محدودة وغريبة عن الواقع الليبيى . وصارت الموضوعات التى تطرح للتداول باسم الليبيين داخل هذه الاجسام الموازية  .  يحّتَكم فيها الى المحاصصة . وليس الى شيئي اخر . وبقول اخر ان ما يُعرض من موضوعات داخل هذه الاجسام الموازية – وهنا مكّمن الخطر- لا يذهب في اتجاه  انهاء الاختلاف . بل الى نقّله من اخّتلاف الى خِلاف . بل يذهب الى ابعد  من ذلك  . الى تجدّير الخِلاف وتجّسيمه وتشّيئه في كيانات  . تحصد من خلاله  هذه الاجسام منافع كثيرة . كل هذا يأتي من خلال وعبر آلية المحاصصة . التى اعتمدتها هذه الاجسام الموازية في مداولاتها .

    وانتهت بنا اجسام ما بعد الصخيرات . الى جعل طرابلس حاضنة مليشياوية  تضم تلون هائل من الاعراق والالوان   . و صارت هذه تعبث بحياة الليبيين . وتنشر الخراب والقلاقل في محيطهم الجغرافي القريب والبعيد على مدار السنيين الماضية . ولم تكتفى اجسام ما بعد الصخيرات بكل هذا . بل ذهبت الى جعل مورد الليبيين الوحيد . بعدما حجبته عنهم . منبع يُغدى وتتغدّى عليه هذه المليشيات  . وعندما طفح الكيل . وصارت الحرب على ابواب طرابلس . انتفض عرّاب الصخيرات متخليا عن بُروده المعهود . ومن داخل اروقة مجلس الامن . وقف مدافع ومساند لطرابلس المليشياوية . وليس  لطرابلس المدينة  .  مانحا طرابلس المِليشياوية بذلك  . غطاء دولى  صريح . ومنحاز الى سلوكها المدمر لليبيا والليبيين . والمهدد للسلم الدولي في الاقليم وحوض المتوسط .       

   كنت احاول ان اصل بالقول . ان كل هذا ما كان ليحدث او يثم . لو لم تتاح الفرصة من طرف الهيئة الاممية في عهد السيد بن كيمون ومن خلال مندبه حينها السيد ( ليون) الاتي من اسبانية او من مستعمرة جبل طارق .  لعرّاب الصخيرات العتيد . كي يتمكن هذا . من توّظيف الغطاء الأممي . ليحصل به حينها . على شرعية دولية داعمة لأجسام ما بعد الصخيرات . والملّفت وبعد كل هذه الكوارث . التى تعبث بالبلاد . لازالت هذه الشرعية سارية المفّعول حتى اللحظة . 

   كنت اسعى الى القول . واستناد الى كل ما فات . بان الهيئة الاممية – في تقديرى – ما كان عليها ان تُجارى عرّاب مؤتمر الصخيرات في ما ذهب اليه . بمنّحه غطائها الاممى . ليستغله على هذا النحو المدمر لليبيا والليبيين . والمهدد للسلم العالمى في الاقليم وحوض المتوسط .  بل كان عليها - في تقديرى - ان تتحصّن بميثاقها وتوجهاتها . التى تنحاز وفى المجّمل الى الفضاء الديمقراطى . الذى من ملامحه دعم الشعوب ومساندتها على تحكّمها في شائها العام عبر مندوبيها المنتخبون .  مبتعدة بذلك عن ظهورها كمساندة وداعمة للقلّة . الساعية نحو التحكم فى مصائر الاغلبية . وعن اتهامها ايضا وكهيئة اممية . بالتعاطي مع الشأن الدولي . بما لا يتوافق مع مواثيقها وتوجهاتها الانسانية . او حتى بتواطؤها من خلال فساد بعض مندبيها . 

   ولكن في تقديرى لازال في مستطاع الهيئة . معالجة ما سبق . والوقوف في وجه هذا العبث . من خلال تبني رؤيا تتكئ على ثوابت موضوعية . يصعب ان يطالها الطعن او التشكيك  . مستندة رؤيتها هذه . على الجغرافية المسترشدة بمواثيق وتوجهات الهيئة في بُعدها الانسانى اتنا تفاعلها مع الدولى والاقليمى . وباستدعاء مفردات الاقاليم  الى داخل المشهد الليبيى واعتمادها من الركائز الاساسية في تفاعلها مع  التأزم الليبيى فى  وجهه الداخلي . وتحديدا حول الادارة المحلية  . 

    وقد عرضنا وجه من وجوه هذه الرؤيا . في تناول يحمل عنوان (مُداخلة . حول مقاربة الهيئة الاممية وحيادها في تعاطيها مع التأزم الليبيى) . وفى حالة عدم انصياع الدولى الاقليمى المحلى . الى رؤياها . يكون عليها - في تقديرى - واجب الاعتذار عن مهمتها في ليبيا . ولكن ليس في مندبها . بل كهيئة اعتبارية متضامنة مع مندبها . وان عُرض عليها العودة من بعد . لزم ان تعود في مندبها ورؤيته المتكئة على الموضوعى . الذى لا يطاله الطعن او التشكيك  . لان في ذلك تحّصين لمندوبيها وابعادهم عن الوقوع تحت أي ضغط او مساومة  . وفى النهاية . اقول ان هذا وجه من وجوه الاضرار العديدة . التي طالت ولحقت بليبيا والليبيين . من خلال اخراج النقاش وتداول حوار الشأن العام من داخل قاعة البرلمان . الى غيره من الاجسام الموازية . كأجسام ما بعد الصخيرات . 

الآراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة