أيام معدودة ويسدل الستار على سنة 2018. سنة لم تكن أحسن من سابقاتها في العشرية الجارية لليبيا، حيث أنها لم تتجاوز عقبة الفوضى العارمة التي تعم البلاد وتيار العنف المستشري في جسم المجتمع الليبي، في انتظار ما ستأتي به السنوات القادمة من آمال تعيد لليبيين أملا في الاستقرار.

من الناحية الإنسانية كانت سنة كارثية بأتم معنى الكلمة حيث تتالت خروقات حقوق الانسان إذ تواترت حالات التعذيب و الاختطاف و تشريد الصغار قبل الكبار ما جعل مختلف الفاعلين في الحقل الإنساني يطلقون صيحات الفزع آملا في استفاقة الضمير الإنساني، واعتبرت مختلف المنظمات الإنسانية أن عام 2018 كان عاما مظلما في مجال حقوق الإنسان بليبيا خاصة وضعية الأطفال الذين يعيش عدد مهم منهم حالات إهمال. من ذلك، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسيف في بيان صحفي يوم الثلاثاء الماضي إن الوضع الإنساني لا يزال متدهورا في ليبيا مع وجود 000 378 طفل في حاجة إلى المساعدة الإنسانية العاجلة والحماية خلال عام 2018.

الوضع الإنساني لا يزال متدهورا في ليبيا مع وجود 000 378 طفل في حاجة إلى المساعدة الإنسانية العاجلة والحماية خلال عام 2018 وأشار بيان اليونيسيف إلى أن العنف والنزاع المسلح خلفا أثراً مدمراً على الأطفال في ليبيا، حيث يقدر أن 54 في المائة من أصل 000 170 شخص نازح هم من الأطفال، وباعتبار أن ليبيا بلد عبور ووجهة للمهاجرين الاقتصاديين وغيرهم من المهاجرين المؤقتين، فإن ليبيا هي أيضا موطن لمئات الآلاف من المهاجرين واللاجئين الذين تشكل نسبة كبيرة منهم من الأطفال.

وأكدت المنظمة في بيانها أن الأطفال الذين هم في حاجة ماسة إلى الحماية والرعاية في جميع أنحاء ليبيا يتعرضون لخطر الإيذاء والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان وكذلك هم عرضة للتجنيد من قبل الجماعات المسلحة ويفتقرون إلى أبسط الخدمات. وتابعت بأن 300 ألف طفل ليبي يحتاجون للتعليم في حالات الطوارئ، و343،200 طفل بحاجة إلى الحماية، مع وجود 179،400 نازح داخلي.

الممثل الخاص لليونيسيف لدى ليبيا عبد الرحمن غندور قال إن عام 2018 يعتبر عاما محوريا بالنسبة لليبيا، وخاصة للأطفال مشيرا إلى أن اليونيسيف تسعى للحصول على مبلغ 20 مليون دولار أمريكي للمساعدة على توسيع نطاق الاستجابة لتقديم مساعدة عاجلة للأطفال، فضلا عن تقديم الدعم على المدى الطويل للأطفال بغض النظر عن خلفيتهم أو جنسيتهم أو جنسهم أو عرقهم في جميع أنحاء البلاد.

هذه الوضعية المتردية تجعل مستقبل البلاد على المحك،فهؤلاء الأطفال الذين نشؤوا في هذه الظروف المأساوية لا يمكن أن يأتوا بحلول من أجل مستقبل أكثر إشراقا للبلاد خاصة مع تدهور مؤشر التعليم في السنوات الأخيرة ما يجعل من السنوات القادمة مرجح أن تكون عجافا لا بالخراب و غياب الأمن بل بالجهل كذلك.

من ناحية أخرى،وضع المهاجرين ليس بالأفضل سنة 2018،حيث عانوا ترهيب و ترويع المجموعات المسلحة.ذكرت الأمم المتحدة في شهر أغسطس الماضي، أن المهاجرين واللاجئين يتعرضون «لأهوال لا يمكن تخيلها» منذ اللحظة التي يدخلون فيها ليبيا وطوال فترة إقامتهم في البلد، أثناء محاولاتهم المتلاحقة لعبور البحر المتوسط.

جاء ذلك في تقرير أصدرته الأمم المتحدة ، بمشاركة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ومكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ويغطي فترة 20 شهراً حتى شهر آب/ أغسطس 2018.

ويشير التقرير إلى "سلسلة مروعة من الانتهاكات والاعتداءات التي ارتكبها عدد من موظفي الدولة وأفراد المجموعات المسلحة والمهربون وتجار البشر ضد المهاجرين واللاجئين".

وبيّن أن "هذه الانتهاكات والتجاوزات تشمل عمليات القتل خارج نطاق القانون والتعذيب والاحتجاز التعسفي والاغتصاب الجماعي والرق والسخرة والابتزاز".

وبناء على 1300 رواية مباشرة جمعها موظفو حقوق الإنسان في ليبيا نفسها، وكذلك من المهاجرين الذين عادوا إلى نيجيريا أو وصلوا إيطاليا، يتتبع التقرير كامل الرحلة التي يخوضها المهاجرون واللاجئون، بدءاً من الحدود الجنوبية لليبيا.

وذكر التقرير أن "مناخ الانفلات الأمني الذي يسود في ليبيا يوفر أرضاً خصبة لانتعاش الأنشطة غير المشروعة من قبيل الإتجار بالبشر وشبكات التهريب الإجرامية، تاركاً المهاجرين واللاجئين تحت رحمة عدد لا يحصى من المتربصين الذين يرونهم كسلعة سهلة للاستغلال والابتزاز".

ويضيف التقرير: "أن الغالبية العظمى من النساء والفتيات المراهقات اللواتي قابلتهن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أفدن بأنهن تعرضن للاغتصاب الجماعي من قبل المهربين أو تجار البشر".

وأجرى موظفو الأمم المتحدة زيارات إلى 11 مركز احتجاز يقبع فيها آلاف المهاجرين واللاجئين، وقاموا بتوثيق التعذيب وسوء المعاملة والسخرة والاغتصاب من قبل الحراس، وأفادوا بأن النساء غالباً ما يُحتجزن في مرافق ليس فيها حارسات من الإناث، ما يفاقم من خطر التعرض للاعتداء والاستغلال الجنسي. وكثيراً ما يتم إخضاع المحتجزات إلى عمليات تفتيش يقوم بها حراس ذكور بعد تعريتهن.

أما أولئك الذين ينجحون في نهاية الأمر في محاولاتهم المحفوفة بالمخاطر لعبور البحر المتوسط، فيتم اعتراضهم في البحر أو إنقاذهم من قبل خفر السواحل الليبي الذي يعيدهم مرة أخرى إلى ليبيا ليتعرض العديد منهم إلى نمط الانتهاكات والاعتداءات التي هربوا منها.

ويدعو التقرير الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء إلى إعادة النظر في سياساتهم وجهودهم الرامية إلى الحد من قدرة المهاجرين واللاجئين على الوصول إلى شواطئ أوروبا، نظراً للخسائر البشرية المترتبة على هذه السياسات، وضمان أن يكون التعاون والدعم المقدمان إلى السلطات الليبية قائمين على أساس من حقوق الإنسان، بما يتماشى مع التزاماتها في ضوء القانون الدولي لحقوق الانسان وقانون اللاجئين، وأن تضمن ألا يؤدي ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر إلى إبقاء رجال ونساء وأطفال عالقين في ظروف تعسفية مع قليل من الأمل في تلقي الحماية أو جبر الضرر.

وقالت ميشيل باشليه، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان: "الوضع مروّع للغاية. إن التصدي لظاهرة الإفلات من العقاب المتفشية لن ينهي معاناة عشرات الآلاف من المهاجرين واللاجئين من النساء والرجال والأطفال الذين يسعون إلى حياة أفضل فحسب، بل سيقوِّض الاقتصاد الموازي غير المشروع والقائم على استغلال هؤلاء الأشخاص، ويساعد على إرساء سيادة القانون والمؤسسات الوطنية".

في ذات الإطار،قال كمال الغربي، باحث تونسي في المنظمة الدولية لحقوق الإنسان، إن الوضع في ليبيا سيء على المستوى الإنساني وواقع الحرب الموجود في ليبيا يُعقد من المشهد الليبي خاصة في الجانب الإنساني.

وأضاف الغربي، خلال حواره على قناة "الغد"، أن الدعوات المتكررة للأمم المتحدة بغرض الدعم المستعجل لم تجد آذان صاغية بما دفعها إلى إعادة النداء من جديد لجمع مساعدات من أجل الشعب الليبي.

وأشار إلى أن الدول الغربية هي المسؤول الأول عن الوضع في ليبيا وهي المتقاعسة الأولى عن دفع هذه الأموال من أجل دعم الوضع الإنساني، مؤكدًا أن الوضع في ليبيا كارثي على المستويات كافة، خاصة على مستوى الصحة والتعليم، مؤكدا أن الحل يكمن في إيجاد حل سياسي للوضع القائم.

تفاعلا مع هذه الوضعية الحرجة،أعربت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا عن قلقها مما سمته تدهور الوضع الإنساني في ليبيا والانتهاكات العديدة لحقوق الإنسان التي ارتكبت منذ ألفين وأحد عشر.

وأبدت الجمعية في بيان لها استعدادها لمساعدة السلطات الليبية في توحيد مؤسسات الدولة، قائلة إنها ستنظر باهتمام إلى جميع طلبات التعاون التي تقدمها ليبيا، لا سيما فيما يتعلق بالاستفتاء والانتخابات.

وأضافت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا أنها مستعدة أيضا لوضع معايير ترصد احترام حقوق الإنسان للمهاجرين في ليبيا وفي المياه الإقليمية الليبية، على أساس الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

أكد المبعوث الاممي إلى ليبيا غسان سلامة  في يوم حقوق الإنسان أن "البعثة لا يمكن ان تقف مكتوفة الأيدي بينما يتحمل الليبيون لوطأة الاقتتال والخروج على القانون".

وأردف سلامة "لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي بينما يتواصل تحمّل المدنيين لوطأة الاقتتال والخروج على القانون في ليبيا؛ بينما أصبحت عمليات الإعدام والاختطاف والاحتجاز غير المشروع والتعذيب جزءاً من الحياة اليومية؛ بينما تتواصل التدابير التمييزية ضد النساء وضد حريتهن في التنقل وتهديد سلامتهن البدنية؛ بينما أولئك الذين يجرؤون على التعبير عن آرائهم علناً يتعرضون في أغلب الأحيان إلى المضايقة والاضطهاد وحتى القتل".

يرى مراقبون أن الغرب يوظف مقولات حقوق الإنسان لتأمين مصالحه في الدول الضعيفة أي أنه لا إيمان مطلقا بالمبادئ الكونية لحقوق الإنسان و لا توجد إرادة فعلية لتكريس هذه المبادئ ذلك واضح منذ أن راهن الغرب على أطراف في الحكم في 2011 لا علاقة لها بحقوق الإنسان.