لقد راهن الكثيرون على الغرب لمدة طويلة، سواء كانت دولنا نحن أو غيرنا، عربية كانت أو أفريقية، أو حتى دولًا آسيوية، كما كان حال اليابان وجنوب كوريا. في تلك الحقبة، كانت الولايات المتحدة هي المركز، وكانت أوروبا تمثل الزعامة والقوة. 

وبمفهوم آخر، لقد وظّف العمل الوطني لكل الدول محاور جوهرية منحتها فرصة البقاء والاستمرار، بل والاستقلالالجدير بالذكر أن الوقت يمثل ضرورة حتمية في اتخاذ القرار بكل أنماطه، سواء كانت تجارية أو سياسية، وأن التأخر قد لا يحقق الأهداف، أو قد يؤدي إلى نتائج عكسية. والشاهد على ذلك أن التعريفات الجمركية الأمريكية المتعددة والمتنوعة التي فرضتها إدارة ترامب قد لاقت الكثير من المعارضة، بل والتحدي. 

وبافتراض أن قرارًا مماثلًا صُنع خلال ستينيات إلى ثمانينيات القرن الماضي، لكانت تلك التعريفات وغيرها أوامر واجبة السمع والطاعة، دون جدل، ومهما كانت النتائج، حيث كان الدولار الأمريكي يسود ويغطي أكثر من 80% من التداولات العالمية حينها. أما اليوم، فنحن نرى تراجع قدرته إلى أقل من 40% من التداول العالمي، وهو سبب من ضمن أسباب أخرى وضعت خطة الرئيس الأمريكي الحالي في مهب الرياح، وقد تنعكس سلبًا بدفع الكثير من الدول إلى ائتلافات مرنة ومؤقتة للمواجهة والتصدي

من ناحية أخرى، تدفعنا الضرورة للقول بأن نعيد رسم الخارطة، وتوجيه بوصلة التحالفات والائتلافات القادمة. وعلينا أن نضع خيارات دقيقة وفق معايير ثابتة مع كافة الأطراف الخارجية. وهذا ينطبق على كل الدول المتدخل بشأنها، وأخص بالذكر ليبيا، حيث كان رهان المقاومة الليبية على التحالف مع لندن في أربعينيات القرن المنصرم فيصلًا في تحقيق الاستقلال

إن ديناميكية العلاقات الدولية تجبر وتفرض المراهنة المحسوبة، ووضع البدائل والخيارات. فلم يعد المعسكر الغربي كما كان، ولم يعد المعسكر الشرقي بشكله الأسبق. لقد أصبح العالم يتجه للغة واحدة وهي القوة مجددًا. فالاستقطاب بالموارد والمكامن الجوهرية لقوة الدولة هو بقائها ووجودها وكلمتها. إنها عملية إعداد وإخراج وتنفيذ تتماشى مع الظروف السياسية والاقتصادية الحالية، وتهدف إلى رفع سقف الطموحات من خلال فتح آفاق تعاون متكافئ

فالرسالة هي التحديث الضروري والفوري والدقيق لتوجهات الدولة، وإعادة طرح رؤيتنا ومسارنا خارج الصندوق التقليدي، وذلك وفق ثلاث خطوات استراتيجية: أولها، النظر في الدخول إلى منظومة البريكس وإعادة النظر في هيكلية البترو- دولار. وثانيها فتح بوابات التوأمة والشراكات الأجنبية لدول محددة (أوروبية أو آسيوية) مع منح مزايا غير تقليدية، بل مزايا مصونة بالقانون لفترات زمنية محددة. وثالثها، التفاعلات والتفاهمات والتنفيذ التدريجي مع التحالفات البينية والفاعلين، وأهمها دول الساحل والصحراء والاتحاد الأفريقي.