كان ظهور تنظيم قيادات بوكو حرام على الإنترنيت يتم عبر أشرطة فيديو سيئة الصورة والإخراج، ويجد المستمع صعوبة كبيرة لفهم عدة عبارة نظرا لسوء تسجيل الصوت. فجأة يتغير الحال حيث يعتمد التنظيم في ما ينشره في المدة الأخيرة على فيديوهات عالية النقاوة واصبح موقع التواصل الاجتماعي تويتر هو مجال بثهم الرئيسي (أول مرة كانت في 17 فبراير الفارط). فهل قفز بوكو حرام خطوة إلى الأمل على مستوى البروباغندا؟ وهل أنه بذلك يعلن بداية التقارب مع داعش التي تتحرك في الشرق الأوسط وبدأت تضع اقدامها في شمال افريقيا؟

مع بداية الشهر الجاري، دخل تنظيم بوكو حرام في مغامرة اقليمية حين هاجم الجوار النيجيري في نفس الوقت، فقد تعرضت مدن تشادية وأخرى كاميرونية وأخرى نيجرية لهجومات بوكو حرام مع الابقاء على وتيرة الهجمات ضد المدن النيجيرية. كل هذا جعل من التنظيم الارهابي هدفا لجيوش هذه الدول مجتمعة مما تسبب في سقوط عدة قتلى في صفوفه. من هنا يمكننا أن نمسك بأول خيط في التغيير الذي طرأ على استراتيجيات بوكو حرام الاتصالية.

فظهور أشرطة الفيديو عالية النقاوة تزامن مع هذا الظرف، أي أن التنظيم أصبح على وعي بضرورة الابقاء على مدّه بين صفوف الأهالي. أولا بضرب الروايات الرسمية في نيجيريا والتشاد والنيجر والتشكيك في نجاحات هذه الجيوش ببث أشرطة "عالية الدقة" تفند الروايات الرسمية، وثانيا بإخراج جيد لـ "شهداء قضية بركو حرام".

العلامات البصرية المصاحبة لأفلام بوكو حرام هي الأخرى تشير لنا بتقارب مع تنظيم "الدولة الاسلامية"، فقد كانت فيديوهات بوكو حرام وزعيمها بوبكر شيكاو تمر عاطلة من اي رموز، وأصبحنا نرى مؤخرا شعارات في زوايا الشاشة والتي تدل على نضج الفريق الساهر على انتاج هذه الفيديوهات. لقد كانت الفيديوهات وعلو كعب اخراجها عاملا أساسيا يتفاخر به المنتمون لداعش وكان سببا في استمالة عقول الكثير من شباب العالم، فهل أن بوكو حرام يتوخى نفس المنهجية خاصة وأنه بصدد فقدان عدد من رجاله؟

يقول آرون زيلين المختص في دراسة سياسات الخارجية الأميركية ان "هذا الشهر (يقصد فيفري 2015) يمثل انتقالا كاملا في استراتيجيات بوكو حرام" ويستنتج أن ثمة "تأثيرات خارجية قد دخلت على أداء التنظيم، أو في اسوأ الحالات محاولة جدية من قيادات هذا التنظيم للوصول إلى درجة تشبه تنظيمات ارهابية أخرى". ولا ينفي المحلل الأمريكي ان تكون داعش هو "التنظيم المثال للحركات الارهابية اليوم".

غير أن مجمل المحللين في العالم، علاوة على أجهزة المخابرات الرسمية لم تثبت لحد الآن وجود أي علاقة بين التنظيمات الجهادية في الشرق الأوسط (داعش والقاعدة بالأساس) وتنظيم بوكو حرام ذي الخصوصية النيجيرية منذ تحول التنظيم الى الأعمال الإرهابية سنة 2009.

الا ان صعود بوكو حرام الى واجهة الأحداث الاعلامية في العالم، يجعل منه عرضة للاهتمام الارهابي للتنظيمات الأخرى والتي أصبح واضحا على أدائها لمسة من التخطيط الجيو استراتيجي، وهو ما يلمس في محاولات السيطرة على سيناء في قلب الشرق الاوسط او محاولات الاستيلاء على الثروات العراقية والليبية.

المحلل يان سان بيار المتخصص في الجماعات الارهابية يرى أن "عدم وجود علاقة مباشرة بين القاعدة وداعش وبوكو حرام لا يعني عدم وجود تقاطعات مصالح، وخصوصا على مستوى التسليح والتمويل، وهو ما سيهيأ، الآن أو في المستقبل، التقاء هذه الجماعات، والتكنولوجيات الحديثة تسهل هذا الأمر".

يشير سان بيار إلى نقطة أخرى، وهو "تمركز الجماعات الارهابية دائما في مناطق التهريب الدولي، وهي مناطق مترابطة، إذن بوكو حرام بسيطرته على منطقة الشمال الشرق النيجيري، بما هي فضاء مزدهر للتهريب، قد فتح نفسه على التأثيرات الدولية".

وكان تنظيم بوكو حرام قبل هذا الشهر، لا يعتمد في فيديوهاته الا على أحاديث زعيمه بوبكر شيكاو، غير أنه أصبح يضيف بعض الشهادات والمشاهد في الآونة الأخيرة. كما أنه أصبح يستعمل حسابات بالعربية في يوتيوب وتويتر بعد ان كان يستخدم الأقراص المضغوطة لتسجيل فيديوهاته ويقوم بإرسالها إلى الصحافة.

وهنا يعتقد محلل يان سان بيار أن "هذا التغيير قد يكون دعوة من بوكو حرام لعقد تحالفات دولية مع تنظيمات أخرى". إن تنظيم بوكو حرام قد عرف تمددا كبيرا، على الأقل على المستوى الجغرافي، وهو يستعمل وسائل بدائية في البروباغندا، ومروره لاستعمال وسائل أخرى هو دليل بأنه بصدد، او يستعد، لدخول مرحلة جديدة.