يمر العالم بتغيير شامل، وسنشهد تساقط اقنعة الديمقراطية تدريجياً، كما سنري تراجع في منظومات حقوق الإنسان، وتباطىء في اداء المنظمات الدولية، فالحرب القادمة ستبدأ بشكل إقتصادي لتنتهي كالعادة الي توافقات منظومة بين اقطاب كبري، ما يعود بالعالم مجددا الي الثنائية القطبية، تحت مفهوم "النواة والفجوة"، ولكن كل ما يدور حولنا سينعكس توافقيا للحصول على التمويل اللازم، وتصدير الخلافات الي دول القارة الإفريقية والشرق الأوسط الغني بنفطه وغازه، وسيكون حوض البحر المتوسط جزء لا يتجزء من تلك التحولات. 

الأزمة الأوكرانية كانت الصيد الثمين لكل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث استدرجت امريكا الناتو تمهيدا لإقصائه أو افشاله، كما دعمت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب ليكون لها الدور الرئيس في السلم والغنيمة، واستنزاف الثروات الأوروبية، وإنهاك اقتصادها، والتحقق من عدم قدرتها في إستيعاب ما سيأتي، وقد نجحت تلك المخططات الأمريكية، لنري روسيا تملي الشروط وتعيد سيادتها على اراضي تم فكها بعد البرسترويكا، وتأخذ امريكا المعادن، وترجع راس مالها ومكاسبها، 

إن الدفع الأمريكي، للتحدي القادم سيكون واسع النطاق ولكن لن يكون ذا فائدة، بل على العكس، سنري كسادا قادما اقتصاديا، وحروبا ضد كل من الصين واوروبا، لن تقدر على مواجهتها بمفردها، وسيكون البحث عن الشريك والحليف صعب المنال. 

فالتعريفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية جزافا وبشكل غير مدروس والانسحابات المتتالية للمستثمرين والشركاء ستكون له آثارا سلبية، والرفض للكثير من الدول ومنها كندا واوروبا، كما سيدفع المواطن الأمريكي الثمن غاليا، ناهيك عن بهتان الصورة العامة، ما يزعزع الثقة والمصداقية والتحالفات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، بل اصبحت بعض الدول تطالب بإعادة ارصدتها من الذهب المخزن بأمريكا ومنها المانيا.

ولذا نتوقع بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستتوجه لأحد الخيارين، أولهما تصدير جل الأزمة خارج حدودها، تمريرا لسياسات سابقة، وتحقيقا لمصادر طاقة جديدة، وثانيهما، التفطن الأمريكي الدستوري بمجلس النواب، للعمل علي وقف النزيف أو تحييد الرئيس من منصبه واقالته.  

سنأتي الي الخيار الأول، حيث أن التهيئة والهيمنة والقواعد الأمريكية تغطى كوكبنا، ويجدر الإشارة بنا قبل ان نتحدث عن مسارات التصدير القادمة، أن نضع ارقاما فعلية  للوجود العسكري الأمريكيأي القواعد العسكرية التي تقدر بحوالي 750 قاعدة حول العالم، وتلك القواعد تحيط بمعظم الدول، فالولايات المتحدة الأمريكية تملك وجودا فعليا في كافة القارات، فــهى موزعة علي 80 دولة،   أكبرها اليابان بعدد 120 قاعدة عسكرية امريكية بعدد جنود يقدر بــ 55 الف جندي. ،لتأتي بعدها المانيا بعدد 119 قاعدة امريكية، ليتوزع الباقي بين دول لشراكتها الإستراتيجية كالمملكة المتحدة بعدد 25 قاعدة،  واخري لموقعها الجغرافي كإيطاليا بعدد 44 قاعدة عسكرية، و تركيا بعدد 13 قاعدة امريكية، وبنما لمضيقها الإستراتيجي بعدد 11 قاعدة. 

كل ما تم ذكره والكثير الذي لم يذكر، يمنحنا القول بأن الوجود الأمريكي واقعا، والهيمنة العسكرية قائمة، غير أن التحالفات والشراكات بدأت تضمحل أو يدخلها نوع من الشك، فقد يكون شركاء الأمس اعداء اليوم، فلا وجود لضبابية الموقف عند الحرب، ولن تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية بمفردها محاربة كل ما فقدت ثقته أو ولائه. 

وبهذا، سيكون تصدير الحرب خارج حدودها بشكل ضيق يجمع حلفاء الأمس، وستكون الدول التي شغلت اذهان العالم لفترات طويلة هي الأولوية للسياسات الخارجية الأمريكية، بشكل الإرضاء كما هو حال اسرائيل، أو بشكل الإخضاع والتفتيت كما كان الحال في العراق واليوم في إيران، والتي يصفها الرئيس ترامب بالفرس كهوية واصول دون مسمي الدولة، حيث وبمنتهي السهولة والدقة للماكينة الإعلامية التي تقع تحت نطاق أي باك IPAC اقناع العالم بكونها راعية للإرهاب وخر علي البشرية، وسيعتبر المجتمع الدولي بأن ايران ستشكل الخطر الأكبر علي الخليج العربي، وعلي دولة ما يعرف بإسرائيل، وسيكون الملف النووي علي الطاولة مجددا بشكل بعيد عن المنظومة الدولية لوكالة الطاقة الذرية، بل بتقرير عن احدي المصادر المحلية الأمنية الأمريكية، كما كان الحال في ازمة العراق. 

سنشهد تصعيدا وضغطا اقتصاديا على كل من مصر والخليج العربي وتحديدا المملكة السعودية في الاستجابة للمطالب الأمريكية، لتحقيق استيطان قادم للفلسطينيين، والذي نري رفضه الي حينه، وفي حال استمرار الرفض، فسنذهب الي سيناريوهات اخري أعمق في الشرق الأوسط، كما سنري اعادة الرؤية القديمة والمستحدثة لصفقات القرن القادمة والشرق الأوسط الجديد والكبير. وبهذا، فإننا نواجه تغير الروابط، تغير الحلفاء، تغير موازين الإقتصاد، تغير منظومات المال، تغير الخارطة الجيوسياسية، ارهاصات الحروب محدودة النطاقـ، والتوجه لحروب بأشكال غير التقليدية، لإعادة التمركزات الدولية، وبالتالي العودة الي التقسيم أو التقاسم. 

وسنأتي في هذه السلسلة لكثير من التفاصيل، في لقاء آخر.

د.محسن ونيس القذافي: كاتب ومحلل سياسي ليبي