يُعتبر البنك المركزي أحد الركائز الأساسية في تدوير عجلة الاقتصاد، حيث يُحدد سياسات النقد، ونسب التضخم، والتدفقات المالية، ويُقنن السياسات الائتمانية والنقدية. ومع ذلك، لا يمكن تطويق الأزمات الاقتصادية بحلول تقليدية تعتمد فقط على زيادة الضرائب أو فرض رسوم على النقد الأجنبي، إذ إن مثل هذه السياسات قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم، مما يهدد قيمة العملة المحلية ويدفع بالاقتصاد نحو أزمات مستقبلية خطيرة.

تواجه السياسات التقليدية تحديات كبيرة تؤثر على استقرار الاقتصاد وتحُدّ من إمكانيات النمو المستدام. لعل من أبرزها ارتفاع معدلات التضخم،وهو ما نشهده اليوم، والذي سيقود بدوره الي مرحلة الكساد والركود، حيث يؤدي فرض الضرائب المتكررة إلى ارتفاع الأسعار بشكل متزايد، مما قد يدفع الاقتصاد نحو ركود حاد (Economic Depression) وتراجع النشاط الاقتصادي، ما ينعكس سلبا على القدرة الشرائية والاستثمار.

إلى جانب ذلك، يُعتبر عدم استقرار سعر الصرف وتكرار فرض الضرائب من العوامل التي تعزز مخاوف المستثمرين، سواء المحليين أو الأجانب، ما سيحجب الإستثمار بشكل كامل، الأمر الذي سيمنع تنوع مصادر الدخل ومن ثم الدخول مجددا في صراعات التدفقات النقدية والعجز وتمكن السوق الموازية من منهجية التوجه. 

كما أن الضغط الضريبي المستمر سيُسهم في تراجع الإنتاج، مما يؤدي إلى تقييد الائتمان وارتفاع معدلات البطالة، ما يفرض على الدولة تحمل نفقات إضافية لدعم المتضررين من فقدان الوظائف، ويؤثر سلبا على النمو الاقتصادي.

وفي ظل هذا الواقع، يظل الاعتماد المفرط على النفط تحديا رئيسيا، إذ لا تزال إيرادات الدولة تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، رغم التوقعات الدولية التي تشير إلى تراجع مستمر في أسعاره مع التحول العالمي نحو مصادر الطاقة البديلة. هذا الأمر يستدعي البحث عن حلول مستدامة لتنويع الاقتصاد وتقليل المخاطر الناجمة عن تقلبات أسعار النفط.

الحلول الاستراتيجية البديلة

لمواجهة التحديات الاقتصادية الحالية، لا بد من الابتعاد عن الحلول التقليدية قصيرة المدى والتركيز على سياسات استثمارية مستدامة تضمن تحقيق إيرادات طويلة الأمد دون التأثير السلبي على الاقتصاد المحلي. ومن أبرز هذه الحلول:

تعزيز الإنتاج النفطي

يُعد النفط المصدر الرئيسي للإيرادات الوطنية، لذا يجب الاستثمار في البنية التحتية النفطية بهدف رفع الإنتاج إلى 5 ملايين برميل يوميا خلال السنوات الخمس المقبلة، ما  من شأنه أن يُعزز الإيرادات العامة، ويُقلل الحاجة إلى فرض ضرائب إضافية قد تُعيق النمو الاقتصادي.

تطوير الموانئ الحرة وتجارة العبور

إن الاستثمار في الموانئ الحرة، لا سيما مع دول الطوق الإفريقي، وتحديدا القارة الإفريقية، آحذين بالإعتبار نقل البضائع وتجهيز نقاط المراكز الداعمة (DRY ZONES)  لدعم عمليات نقل البضائع، يمكن أن يُحول ليبيا إلى مركز لوجستي إقليمي، مما سيوفر عوائد اقتصادية مستدامة ويُقلل الاعتماد على الإيرادات النفطية وحدها.

إصلاح البيئة التشريعية

لضمان نجاح هذه الاستثمارات، يجب العمل على سن تشريعات وقوانين اقتصادية محفزة تتماشى مع المعايير الدولية، وتوفر ضمانات سيادية واضحة تُشجع المستثمرين وتعزز ثقتهم بالسوق الليبية، مما يؤدي إلى تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات طويلة الأجل، ويدعم الاستقرار المالي في البلاد.

إن زيادة الضرائب ورفع الدعم ليسا حلا للأزمات الاقتصادية، بل قد يؤديان إلى نتائج عكسية تفاقم المشكلات الحالية. لذلك، فإن تبني استراتيجيات استثمارية طويلة الأجل هو الحل الأمثل لضمان نمو اقتصادي مستدام، واستقرار مالي يعزّز قوة العملة المحلية ويُحقق التوازن بين الإيرادات والنفقات.

د.محسن ونيس القذافي: كاتب و محلل سياسي