تشهد ليبيا حراكا سياسيا لافتا في الفترة الأخيرة حيث تسارعت وتيرة الاجتماعات التي انخرط فيها ممثلون عن طرفي الصراع في ليبيا، برعاية بعثة الأمم المتحدة في مصر والمغرب وصولا الى جنيف التي من المقرر أن تشهد مؤتمرا قادما، وذلك لمحاولة كسر الجمود الذي يعتري العملية السياسية في البلاد والوصول الى تسوية تنهي سنوات الصراع المستمر وتضع حدا للتدخلات الخارجية.
وأعلنت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، عبر بيان رسمي، عن اجتماع تم بمدينة الغردقة المصرية، بين وفود أمنية وعسكرية من شرق ليبيا وغربها، في إطار محادثات أمنية وعسكرية بتيسير من البعثة، وقالت إنها تتطلع لأن تؤدي هذه اللقاءات المباشرة إلى نتائج إيجابية، على أن تعرض هذه النتائج على اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) المقررة لاحقاً في مدينة جنيف السويسرية.
وأعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن امتنانها للحكومة المصرية لاستضافتها محادثات تجمع وفود أمنية وعسكرية من الأطراف المتنازعة في شرق وغرب ليبيا، في مدينة الغردقة بالبحر الأحمر، في إطار محادثات اللجنة العسكرية المشتركة الجارية (5 + 5)، بتيسير من البعثة الأممية في ليبيا.
وأفضت جولة المحادثات الأمنية والعسكرية المباشرة في الغردقة، الى جملة من التوصيات لكي يتم عرضها لاحقاً على اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 ،منها الاسراع بعقد اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 بلقاءات مباشرة خلال الاسبوع القادم ثانيا ،الافراج الفوري عن كل من هو محتجز على الهوية من دون اية شروط او قيود، واتخاذ التدابير العاجلة لتبادل المحتجزين بسبب العمليات العسكرية وذلك قبل نهاية شهر تشرين الأول/اُكتوبر المقبل عبر تشكيل لجان مختصة من الاطراف المعنية.
كما خلص الاجتماع على الاتفاق على ايقاف حملات التصعيد الاعلامي وخطاب الكراهية واستبداله بخطاب التسامح والتصالح ونبذ العنف والارهاب ،والاسراع في فتح خطوط المواصلات الجوية والبرية بما يضمن حرية التنقل للمواطنين بين كافة المدن الليبية.
وقام المجتمعون بدراسة الترتيبات الامنية للمنطقة التي سوف تحدد في المرحلة المقبلة على ضوء اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) ،وخلصت إلى اهمية إحالة موضوع مهام ومسؤوليات حرس المنشآت النفطية إلى اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 واعطائه الاولوية لغرض تقييم الموقف من جميع جوانبه ودراسته واتخاذ الاجراءات الكفيلة بضمان انتظام عملية الانتاج والتصدير.
وبالتزامن مع اجتماعات الغردقة المصرية تتواصل المشاورات في بوزنيقة المغربية والتي تشهد تأجيلا في جلسة المفاوضات الثانية بين وفدي مجلس النواب ومجلس الدولة.وبحسب ما نقلته وسائل إعلامية عن مصادر من المغرب، أن هناك إصرار من وفد النواب بالمغرب على عدم بدء الجولة الثانية الا بحضور ممثلي مجلس الدولة بالجولة السابقة، لافتة إلى أن هناك وساطة مغربية بين الاطراف الليبية لتقريب وجهات النظر وبدء الجولة الثانية.
وقالت ستيفاني ويليامز، الممثلة الخاصة للأمين العام ورئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالنيابة، في تصريحات صحفية، إن الحوار الليبي في بوزنيقة تركز بشكل أساسي على المادة 15 من الاتفاق السياسي الليبي الصخيرات، التي قالت إنها تتمحور حول المناصب السيادية.وأوضحت ويليامز إن المباحثات ركزت على المؤهلات المطلوبة في الأشخاص، وإن التوصيات ستقدم أمام منتدى الحوار السياسي الليبي من أجل دراستها؛ وإنه لن يدور أي نقاش حول اسم معين،موضحة أن هذه التجمعات ليست لتوزيع قطع الكعكة.
وشددت وليامز على أن هناك رغبة لجمع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح و رئيس مجلس الدولة خالد المشري معا للموافقة على الاتفاق الذي أبرم بين المجلسين والتوقيع عليه، مشيرة إلى أنها تدعم الجهود التي تسعى لتحقيق العملية التي تقودها الأمم المتحدة، والتي تصب في مصلحة المجلسين.فيما قال السفير الليبي في المغرب، عبدالمجيد غيث، إن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة الاستشاري خالد المشري قد يحضران التوقيع على الاتفاق النهائي الخميس المقبل إذا أحرزت المفاوضات تقدما.
وتأتي هذه الاجتماعات والمشاورات المتعددة تمهيدا لمؤتمر جنيف الزمع عقده منتصف أكتوبر القادم.وفي هذا السياق،أكد فتحي المريمي، مستشار رئيس مجلس النواب، أن جميع القوى الليبية تمهد حاليا لاجتماع جنيف والذي سيعقد أكتوبر المقبل وسيبحث اختيار مجلس رئاسي جديد يتكون من رئيس ونائبين ورئيس حكومة ونائبين يمثلون الأقاليم الثلاثة برقة وفزان وطرابلس وكذلك المسارات الاقتصادية والعسكرية والأمنية.
وقال المريمي في تصريحات نقلتها "العربية.نت"، إن هذا الاجتماع يأتي في إطار الاتفاق على المناصب السيادية والتشاور للوصول لتسوية سياسية شاملة تنهي الأزمة الليبية وتضمن أمن البلاد والمنطقة والمتوسط، وتحقق الاستقرار للشعب الليبي، مشيرا إلى أن كافة الحوارات ستكون وفق أساس إعلان القاهرة ومخرجات مؤتمر برلين.
وأضاف أن كافة هذه الاجتماعات سيكون بداية النهاية للوصول لحل شامل يضمن وقف النار وفتح حقوق النفط وإعادة تصديره وبدء التفاوض لعمل اللجان الأمنية والمسار العسكري وفق 5+ 5، مشيرا إلى تشكيل لجنة بين الأطراف الثلاثة وهم البرلمان الليبي والجيش الليبي ومصر للتنسيق والترتيب للوصول لكافة النتائج المرجوة لحل الأزمة الليبية.
ويسود التفاؤل بقرب تسوية شاملة في البلاد وهو ما عبر عنه صراحة اللواء خالد محجوب، مدير التوجيه المعنوي بالجيش الوطني الليبي،الذي قال خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي أحمد موسى، ببرنامج "على مسؤوليتي" على قناة صدى البلد المصرية،تعليقا على المشاورات الجارية "نستطيع القول إن استقرار ليبيا أصبح قريبا".مؤكدا أنه تم الاتفاق على ضرورة التوصل إلى أفكار حقيقية لحل الميلشيات، مع الاتفاق على أهمية وجود الأسلحة في يد الجيش الليبي، وتوحيد مؤسسات الدولة.
ويشير متابعون للشأن الليبي أن المؤتمر المزمع عقده في العاصمة السويسرية جنيف، يهدف الى إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية ممثلة للجميع، لتحدد انتخابات من شأنها توحيد البلد الذي يعاني تفككاً وصراعات مدعومة من قوى إقليمية، لكن المشهد المتوتر في ليبيا يبعث بشكوك بشأن نجاح هذا المؤتمر أسوة ببقية المؤتمرات السابقة وعلى رأسها مؤتمر برلين.
ومنذ العام 2011، مرت ليبيا بالعديد من التغييرات الحكومية، مما أدى إلى فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتجددت التوترات العميقة الجذور بين الولاءات القبلية القديمة، ورفضت مجموعات الميليشيات المحلية المختلفة إلقاء أسلحتها، كما أدت محاولات من جانب الحكومات لتنظيم هذه الجماعات لتصعيد عنفها،وزادت التدخلات الخارجية في تعميق الأزمات في البلاد.
وعلى مدار الأسابيع القليلة الماضية، شهدت ليبيا اندلاع احتجاجات، كان أبرزها في المدن الكبرى مثل طرابلس في الغرب وبنغازي في الشرق، إذ خرج الليبيون بالمئات للتعبير عن غضبهم وإحباطهم جراء تفشي الفساد، وتردي الأوضاع المعيشية والأمنية في البلاد التي تسببت فيها الانقسامات والصراعات المستمرة منذ العام 2011 والتي عملت على تغذيتها الأطراف الخارجية مدفوعة بأطماعها في الثروات الليبية.
وعلى وقع هذه التطورات يبدو التوافق بين الأطراف المتنازعة في ليبيا قريبا في ظل المؤشرات الايجابية وقد يكون مؤتمر جنيف القادم المحطة الأخيرة لانهاء الأزمة الليبية.لكن هذا التفاؤل بقرب الوصول الى تسوية سياسية شاملة يبقى محفوفا بالحذر في ظل محاولات تيار الاسلام السياسي وحلفائه وخاصة تركيا وقطر،لاجهاض جهود التسوية. ويرى مراقبون، أن مصير مؤتمر جنيف يبقى رهين قدرة الليبيين على تقديم التنازلات وقدرة المجتمع الدولي على تنفيذ مخرجاته.